المبتدعة والخرافية وأحكامهم الكاذبة. الآية الاولى وجهت الخطاب إلى النبي صلىاللهعليهوآله وقالت : (قُلْ أَرَءَيْتُم مَّا أَنزَلَ اللهُ لَكُم مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَامًا وَحَللاً). إذ أنّهم طبقاً لسننهم الخرافية حرموا قسماً من الدواب وكذلك حرّموا جزءاً من محاصيلهم الزراعية.
ثم تقول : (قُلْءَآللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ).
الآن وقد أصبح من المسلم أنّ هؤلاء بهذه الأحكام الخرافية المبتدعة ، إضافةً إلى أنّهم حُرموا من النعم الإلهية ، فإنّهم قد افتروا على الساحة الإلهية المقدسة ، ولذلك تضيف الآية : (وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيمَةِ إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ) ولذلك فإنّه لسعة رحمته لا يعاقب هؤلاء فوراً على أعمالهم القبيحة.
إلّا أنّ هؤلاء بدل أن يستغلوا هذه الفرصة الإلهية ويشكروا الله على ذلك وينيبوا إليه ، فإنّ أكثرهم غافلون : (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَايَشْكُرُونَ).
وحتى لا يتصور أحد أنّ هذه المهلة الإلهية دليل على عدم إحاطة علم الله سبحانه بكل أعمال هؤلاء ، فإنّ آخر آية من آيات البحث تبيّن هذه الحقيقة بأبلغ عبارة وتوضح أنّ الله مطّلع على كل ذرات الموجودات في خفايا السماء والأرض ، ومطّلع على دقائق أعمال العباد ، فتقول : (وَمَا تَكُونُ فِى شَأْنٍ وَمَا تَتْلُوا مِنْهُ مِن قُرْءَانٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ).
ثم تعقب الآية على مسألة اطلاع الله على كل شيء بتأكيد أكبر ، فتقول : (وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِى الْأَرْضِ وَلَا فِى السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِن ذلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِى كِتَابٍ مُّبِينٍ).
«يعزب» : مأخوذة من العزوب ، وهو في الأصل بمعنى الإبتعاد عن البيت والأهل في سبيل إيجاد وتهيئة المراتع للأغنام والحيوانات ، ثمّ استعملت بمعنى الغيبة والإختفاء بصورة مطلقة.
و «الذّرة» : بمعنى الجسم الصغير جدّاً ، ولذلك يقال للنمل الصغير : ذرة ، ولمزيد التوضيح راجع تفسير الآية (٤٠) من سورة النساء.
«الكتاب المبين» إشارة إلى علم الله الواسع ، والذي يعبر عنه أحياناً باللوح المحفوظ ، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع في تفسير الآية (٥٩) من سورة الأنعام.
لقد بيّنت آخر هذه الآيات درساً كبيراً لكلّ المسلمين ... درس يستطيع أن يسلك بهم طريق الحق ويصرفهم عن الإنحرافات والطرق الملتوية ... درس فيه صلاح المجتمع مع