وعلى فرض أنّ هؤلاء يستطيعون بافتراءاتهم وأكاذيبهم أن ينالوا المال والمقام لعدّة أيام ، فإنّ ذلك (مَتعٌ فِى الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ).
إنّ التعبير ب «نذيقهم» يشير إلى أنّ هذا العذاب الذي سينال هؤلاء بدرجة من الشدّة بحيث كأنّهم يذوقونه بألسنتهم وأفواههم ، وهذا التعبير أبلغ جداً من المشاهدة ، بل وحتى من لمس العذاب.
(وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللهِ فَعَلَى اللهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ (٧١) فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٧٢) فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلَائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ) (٧٣)
جانب من جهاد نوح : الآيات أعلاه بداية لبيان قسم من تأريخ الأنبياء ، فيأمر الله نبيّه أن يتابع حديثه السابق مع المشركين بشرح تاريخ الماضين ليكون عبرة لهم. في البداية تطرقت إلى قصة نوح ، فقالت : (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُم مَّقَامِى وَتَذْكِيرِى بَايتِ اللهِ فَعَلَى اللهِ تَوَكَّلْتُ). ولهذا فإنّي لا أخاف غيره.
ثم تضيف : (فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ). أي ادعوا أصنامكم أيضاً لتعينكم في المشورة ، حتى لا يبقى شيء خافياً على أحد ولا يتعرض منكم إلى الهم والغم أحد (ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً). بل اتّخذوا قراركم في شأني بكل وضوح.
ثم يقول : (ثُمَّ اقْضُوا إِلَىَّ وَلَا تُنظِرُونَ).
وإذا علمنا أنّ هذه الآيات نزلت في مكة في الوقت الذي كان يعيش فيه النبي صلىاللهعليهوآله ظروفاً تشبه ظروف نوح ، وكان المؤمنون قلّة ، سيتّضح أنّ القرآن يريد أن يعطي للنبي ـ أيضاً ـ نفس هذا الدرس بأن لا يهتم بقدرة العدو ، بل يسير ويتقدم بكلّ حزم وجرأة وشجاعة ، لأنّ الله يسنده وينصره.