متى ما أدّيت الصلاة بشرائطها فإنّها تنقل الإنسان إلى عالم من المعنوية والروحانية بحيث توثق علائقه الإيمانية بالله ، وتغسل عن قلبه وروحه الأدران وآثار الذنوب.
الصلاة تجير الإنسان من الذنب ، وتجلو صدأ القلوب.
الصلاة تجذّر الملكات السامية للإنسان في أعماق الروح البشرية ، والصلاة تقوي الإرادة وتطهر القلب والروح ، وبهذا الترتيب فإن الصلاة الواعية الفاعلة هي مذهب تربوي عظيم.
وتعقيباً على تأثير الصلاة في بناء شخصية الإنسان وبيان تأثير الحسنات على محو السيئات ، يأتي الأمر بالصبر في الآية الاخرى بعدها : (وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لَايُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ). ومعنى ذلك أنّ العمل الصالح لا يتيسر دون صبر ومقاومة.
إنّ «الصبر» في هذه الآية يشمل كل أنواع الصبر أمام المشاكل والمخالفات والأذى والطغيان والمصائب المختلفة ، فالصمود أمام جميع هذه الحوادث يندرج تحت مفهوم الصبر.
«الصبر» أصل كلي وأساس إسلامي ، يأتي أحياناً في القرآن مقروناً بالصلاة ، ولعل ذلك آتٍ من أنّ الصلاة تبعث في الإنسان الحركة ، والأمر بالصبر يوجد المقاومة ، وهذان الأمران ، أي «الحركة والمقاومة» حين يكونان جنباً إلى جنب يثمران كل اشكال النجاح والموفقية.
(فَلَوْ لَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ (١١٦) وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ) (١١٧)
عامل الإنحراف والفساد في المجتمعات : من أجل إكمال البحوث السابقة ذكر في هاتين الآيتين أصل أساسي اجتماعي يضمن نجاة المجتمعات من الفساد ، وهو أنّه مادام هناك في كل مجتمع طائفة من العلماء المسؤولين والملتزمين الذين يحاربون كل اشكال الفساد والانحراف ، ويأخذون على عاتقهم قيادة المجتمع فكرياً وثقافياً ودينياً ، فإنّ هذا المجتمع سيكون مصوناً من الزيغ والانحراف.
لكن متى ما سكت عن الحق أهله وحماته ، وبقي المجتمع دون مدافع أمام عوامل الفساد ، فإنّ انتشار الفساد ومن ورائه الهلاك أمر حتمي.
الآية الاولى أشارت إلى القرون والأمم المتقدمة الذين ابتلوا بأشد أنواع البلاء قائلة : (فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِى الْأَرْضِ).