للمفسدين في الأرض : بعد ما ذكرت الآیات السابقئ صفات أولى الألباب ودعاة الحق ، أشارت هذه الآیات إلى قسم من الصفات الأصلية للمفسدين الذين فقدوا حظّهم من العلم والمعرفة حيث يقول جلّ وعلا : (وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِى الْأَرْضِ أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) (١).
في الحقيقة يتلخص فساد عقيدتهم في الجمل الثلاث الآتية :
١ ـ نقض العهود الإلهية : وتشمل المواثيق الفطرية والعقلية والتشريعية.
٢ ـ قطع الصلات : وتشمل الصلة مع الله والرسل والناس ومع أنفسهم.
٣ ـ الإفساد في الأرض : وهو نتيجة حتمية لنقض العهود وقطع الصلات.
قوله تعالى : (اللهُ يَبْسُطُ الرّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ). وهذه إشارة لُاولئك الذين يسعون للحصول على دخل أكثر فهم يفسدون في الأرض وينقضون عهد الله ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل لكي يزيدوا من دخلهم المادي ، وهم غافلون عن هذه الحقيقة وهي أنّ الرزق ـ في زيادته ونقصه ـ بيد الله سبحانه وتعالى.
ثم تضيف الآية : (وَفَرِحُوا بِالْحَيَوةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَوةُ الدُّنْيَا فِى الْأَخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ).
(وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّ اللّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ (٢٧) الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (٢٨) الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ) (٢٩)
ألا بذكر الله تطمئنّ القلوب : في سورة الرعد بحوث كثيرة حول التوحيد والمعاد والنبوة ، فالآية الاولى من هذه المجموعة تبحث مرّةً اخرى في دعوة الرسول صلىاللهعليهوآله وتبيّن واحداً من أعذار المشركين المعاندين حيث يقول تعالى : (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنِزلَ عَلَيْهِءَايَةٌ مّن رَّبّهِ).
إنّ هؤلاء يتوقّعون من النبي أن يجلس في زاوية الدار ويُظهر لكل واحد منهم المعجزة التي يقترحها ، فإن لم تعجبهم لم يؤمنوا بها.
ويجيبهم القرآن الكريم حيث يقول : (قُلْ إِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِى إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ).
وهذه إشارة إلى أنّ العيب ليس من ناحية الإعجاز ، لأنّ الأنبياء قد أظهروا كثيراً من
__________________
(١) «اللعن» : بمعنى الطرد مع الغضب ، واللعن في الآخرة تشير إلى العقوبة وفي الدنيا الإبتعاد من رحمة الله.