والعبارة (سِرًّا وَعَلَانِيَةً) إشارة اخرى إلى هذه الحقيقة وهي أنّ إنفاقهم يتمّ بشكل مدروس ، فتارةً يكون سرّاً ويترتّب عليه أثر كبير ، وذلك في الحالات التي تصون الطرف المنفق من الرياء ، ومرّةً يكون الإنفاق العلني أكثر تأثيراً وذلك في الحالات التي تدعو الآخرين لكي يتأسّوا بهذا العمل الخيّر ويقتدوا به ، فيكون سبباً لكثير من أعمال الخير.
(الصفة الثامنة) والأخيرة هي قوله تعالى : (وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيّئَةَ).
ومعنى هذه العبارة أنّهم لم يكتفوا بالتوبة والاستغفار فقط عند إرتكابهم الذنوب ، بل يدفعونها كذلك بالحسنات على مقدار تلك الذنوب ، حتى يطهّروا أنفسهم والمجتمع بماء الحسنات.
ويحتمل في تفسير الآية أنّهم لا يقابلون السيء بالسيء ، بل يسعون من خلال إحسانهم للمسيئين أن يجعلوهم يعيدون النظر في مواقفهم.
وبعد ما ذكر القرآن الكريم الصفات الثمانية لُاولي الألباب ، أشار في نهاية الآية إلى عاقبة أمرهم حيث يقول تعالى : (أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ).
الآية الاخرى توضّح هذه العاقبة (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَن صَلَحَ مِنْءَابَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرّيَّاتِهِمْ).
والشيء الذي يكمل هذه النعم الكبيرة واللامتناهية (وَالْمَلِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مّن كُلّ بَابٍ * سَلمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ). فهذه السلامة جاءت بعد ما صبرتم على الشدائد وتحمّلتم المسؤوليات الجسام والمصائب ، ولكم هنا كامل الطمأنينة والأمان ، فلا حرب ولا نزاع ، وكل شيء يبتسم لكم ، والراحة الخالية من المتاعب ـ هنا ـ معدّة لكم.
يستفاد من آيات القرآن الكريم والأحاديث الشريفة أنّ للجنة عدّة أبواب ، ولكن هذا التعدد للأبواب بسبب الأعمال المختلفة للأفراد.
ومن الظريف أنّ القرآن الكريم ـ في الآية (٤٤) من سورة الحجر ـ يذكر لجهنم سبعة أبواب (لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ). وهذه إشارة إلى أنّ طرق الوصول إلى السعادة وجنّة الخلد أكثر من طرق الوصول إلى الشقاء والجحيم ، ورحمة الله سبقت غضبه.
(وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (٢٥) اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ) (٢٦)