عنهم بأهل الكتاب ، لأنّهم لم يتّبعوا كتبهم السماوية ، بل كانوا أحزاباً وكتلاً تابعين لخطّهم الحزبي. أو أنّ كلمة «الأحزاب» إشارة إلى المشركين ، لأنّ سورة الأحزاب ذكرتهم بهذا التعبير ، وهؤلاء ليس لهم دين ولا مذهب بل كانوا على شكل أحزاب وكتل متفرقة اتّحدوا في مخالفتهم للقرآن والإسلام.
ونقل العلامة الطبرسي عن ابن عباس ، أنّ هذه الآية إشارة إلى المشركين الذين كانوا يخالفون وصف الله بالرحمن ، وأهل الكتاب ـ خصوصاً اليهود ـ يفرحون بهذا الوصف «الرحمان» في الآيات القرآنية ، ومشركي مكة كانوا يسخرون منه بسبب عدم معرفتهم به.
وفي آخر الآية يأمر الله النبي صلىاللهعليهوآله : (قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ وَلَا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُوا وَإِلَيْهِ مَابِ). وتلك دعوة للموحدين الصادقين والمؤمنين الرساليين أن يسلّموا أمام الأوامر الإلهية.
(وَكَذلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْماً عَرَبِيّاً وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ (٣٧) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ (٣٨) يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ (٣٩) وَإِنْ مَا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ) (٤٠)
الحوادث الثابتة والمتغيرة : تتابع هذه الآيات المسائل المتعلقة بالنبوّة ، ففي الآية الاولى يقول تعالى : (وَكَذلِكَ أَنزَلْنهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا).
«العربي» : كما يقول الراغب في مفرداته «الفصيح البيّن من الكلام» وعلى هذا فوصف القرآن بالعربي لأنّ أحكامه واضحة وبيّنة.
ثم يخاطب القرآن النبي صلىاللهعليهوآله بلحن التهديد وبشكل قاطع حيث يقول : (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللهِ مِن وَلِىّ وَلَا وَاقٍ). وبما أنّ احتمال الانحراف غير موجود إطلاقاً في شخصية الرسول صلىاللهعليهوآله لما يتميّز به من مقام العصمة والمعرفة ، فهذا التعبير ـ أوّلاً : ـ يُوضّح أنّ الله سبحانه وتعالى ليس له إرتباط خاص مع أي أحد حتى لو كان نبيّاً ، فمقام الأنبياء الشامخ إنّما هو بسبب عبوديتهم وتسليمهم وإستقامتهم.