جميع مؤامراتهم وقد أحصى أعمالهم : (وَعِندَ اللهِ مَكْرُهُمْ). فلا تقلق فإنّهم لا يستطيعون بمكرهم هذا أن يصيبوك بسوء حتى (وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ).
«المكر» : بمعنى الإحتيال ، فمرّةً يلازمه الفساد ومرّةً اخرى لا يلازمه ، والمراد بكون مكرهم عند الله إحاطته تعالى به بعلمه وقدرته.
ثم يتوعّد الله الظالمين والمسيئين مرّة اخرى من خلال مخاطبة النبي صلىاللهعليهوآله : (فَلَا تَحْسَبَنَّ اللهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ) لأنّ الإخلاف يصدر من الذي ليست له قدرة واستطاعة ، ولكن : (إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ).
وهذه الآية مكمّلة للآية التي قبلها (وَلَا تَحْسَبَنَّ اللهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ). وتعني أنّ المهلة التي أعطيت للظالمين ليست بسبب أنّ الله غافل عنهم وعن أعمالهم ولا مخلف لوعده ، بل سينتقم منهم في اليوم المعلوم.
ثم يضيف تعالى : (يَوْم تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّموَاتُ). وسوف يتجدّد كل شيء بعد الدمار ، ويبعث الإنسان في خلق جديد وعالم جديد يختلف في كل شيء عن هذا العالم ، في سعته ، في نعيمه وعقابه وسيظهر الإنسان بكل وجوده لله تعالى : (وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ القَهَّارِ).
معنى بروز الناس لله تعالى ، إنكشاف بواطن وظواهر جميع الناس في يوم المحشر ، فالظهور بالقياس إلى علمنا وليس إلى علم الله المطلق.
ووصفه بالقهّار دليل على تسلطه على كل الأشياء وسيطرته على ظاهرها وباطنها.
وتصوّر الآية التالية كيفية بروزهم إلى الله فتقول : (وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِى الْأَصْفَادِ).
«الأصفاد» : جمع «صفد» بمعنى الغلّ ؛ و «مقرنين» : من مادة «القرن والإقتران» بمعنى الأشخاص المتقاربين مع بعضهم البعض.
إنّ هذا الغِل هو عبارة عن تجسيد للروابط العملية والفكرية بين المجرمين في هذه الدنيا ، حيث كان يساعد بعضهم البعض على الظلم والفساد ، وتتجسّد هذه العلاقة في الآخرة بصورة سلاسل تربطهم فيما بينهم.
ثم يتطرّق القرآن الكريم إلى لباسهم والذي هو أحد أفراد المجازاة الشديدة : (سَرَابِيلُهُم مّن قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ).