إلّا أنّه يعلم جيّداً بأنّ وساوسه سوف لن تؤثّر في قلوب عباد الله المخلصين ، وأنّهم متحصنون من الوقوع في شباكه ، لأنّ قوة الإيمان ودرجة الإخلاص عندهم بمكان يكفي لدرء الخطر عنهم بتحطيم قيود الشيطان عن أنفسهم ... ولهذا نراه قد استثنى في طلبه (إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ).
«المخلصين» : جمع مخلَص (بفتح اللام) المؤمن الذي وصل إلى مرحلة عالية من الإيمان والعمل بعد تعلّم وتربية ومجاهدة مع النفس ، فيكون ممتنعاً من نفوذ وساوس الشيطان وأيّ وسواس آخر.
ثم قال تعالى تحقيراً للشيطان وتقوية لقلوب العباد المؤمنين السالكين درب التوحيد الخالص : (قَالَ هذَا صِرَاطٌ عَلَىَّ مُسْتَقِيمٌ إِنَّ عِبَادِى لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطنٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ). يعني : يا إبليس ليس لك القدرة على إضلال الناس ، لكن الذين يتبعونك إن هم إلّا المنحرفين عن الصراط المستقيم والمستجيبين لدواعي رغباتهم وميولهم.
ثم يهدد الله بشدة أتباع الشيطان : (وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ) وأن ليس هناك وسيلة للفرار ، والكل سيحاسب في مكان واحد.
(لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِّكُلّ بَابٍ مّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ). هي أبواب للذنوب التي يدخلون جهنم بسببها ، وكل يحاسب بذنبه ... كما هو الحال في أبواب الجنة التي هي عبارة عن طاعات وأعمال صالحة ومجاهدة للنفس يدخل بها المؤمنون الجنة.
(إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (٤٥) ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ (٤٦) وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ (٤٧) لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ (٤٨) نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٤٩) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ) (٥٠)
نِعم الجنة الثمان : رأينا في الآيات السابقة كيف وصف الله تعالى عاقبة أمر الشيطان وأنصاره وأتباعه ، وأنّ جهنم بأبوابها السبعة مفتحة لهم. وجرياً على أسلوب القرآن في التربية والتعليم جاءت هذه الآيات المباركات (ومن باب المقارنة) لترفع الستار عن حال الجنة وأهلها وما ترفل به من نعم مادية ومعنوية ، جسدية وروحية.