الموعودين به (البقاء للإصلاح) وعدم إعطاء حق إدامة الحياة لأقوام فاسدين ومفسدين .. فليس لهؤلاء سوى البلاء المهلك ، ولهذا يقول القرآن : (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ).
وكانت «الصيحة» عبارة عن صوت صاعق مدمّر نزل على دورهم.
فالعذاب الإلهي لا تقف أمامه الجبال الشاهقة ، ولا البيوت المحصنة ، ولا الأبدان القوية أو الأموال الوافرة ، ولهذا يأتي في نهاية قصّتهم (فَمَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ).
(وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ (٨٥) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ (٨٦) وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ (٨٧) لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ (٨٨) وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ (٨٩) كَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ (٩٠) الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ) (٩١)
يعود القرآن بعد طرح قصص الأقوام السالفة ـ كقوم لوط وقوم شعيب وصالح ـ إلى مسألة التوحيد والمعاد ، لأنّ سبب ضلال الإنسان يعود إلى عدم اعتناقه عقيدة صحيحة ، ولعدم إرتباطه بمسألة المبدأ والمعاد ، فيشير إليهما معاً في آية واحدة : (وَمَا خَلَقْنَا السَّموَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقّ). فنظامها محسوب ومحكم وهو حق ، وكذا هدف خلقها حق.
فيكون هذا النظام البديع والخلق الدقيق المنظّم دليلاً واضحاً على الخالق العالم القادر جلّ وعلا ، وهو حق أيضاً ، بل هو حقيقة الحق ، وكل حق بما هو متصل بوجوده المطلق فهو حق ، وكل شيء لا يرتبط به سبحانه فهو باطل ... هذا ما يخصّ التوحيد أمّا المعاد فيقول : (وَإِنَّ السَّاعَةَ لَأَتِيَةٌ). وإن تأخّرت فإنّها آتية بالنتيجة.
إنّ هذا العالم إنّما يكون حقاً عندما يكون لهذه الأيام الدنيوية المليئة بالآلام والمتاعب هدف عال يبرر خلق هذا الوجود الكبير ـ فليس الغرض من هذه الدنيا أن يعيش فيها الانسان هذه الحياة وتنتهي ـ ولهذا فمسألة خلق السماوات والأرض وما بينهما إنّما هو من موقع الحق ويدل على وجود يوم القيامة والحساب ، وإلّا لكان الخلق عبثاً وليس حقاً ، فتأمل.
وبعد ذلك يأمر الله تعالى نبيّه الكريم صلىاللهعليهوآله أن يقابل عناد قومه وجهلهم وتعصّبهم