وعداءهم بالمحبة والعفو وغضّ النظر عن الذنوب ، والصفح عنهم بالصفح الجميل ، أي غير مصحوب بملامة (فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ). لأنّك تملك الدليل الواضح على ما أمرت بالدعوة إليه ، فلا تحتاج وإياهم إلى الخشونة.
بالإضافة إلى أنّ الخشونة مع الجهلة غالباً ما تؤدّي بهم إلى الردّ بالمثل ، بل وبأشد من ذلك.
«الصفح» : هو وجه كل شيء ، كوجه الصورة ، ولهذا فقد جاءت كلمة «فاصفح» بمعنى أدر وجهك وغضّ النظر عنهم.
وبما أنّ إدارة الوجه وصرفه عن الشيء قد تعطي معنى عدم الإهتمام والنفرة وما شابه ذلك وكذلك معنى العفو والصفح ، فقد ذكرت الآية المتقدمة كلمة «الجميل» بعد «الصفح» لكي تحدد المعنى الثاني.
الآية التالية بمنزلة الدليل على وجوب العفو والصفح الجميل ، حيث تقول : (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلقُ الْعَلِيمُ).
ثم يواسي الله تعالى نبيه الكريم صلىاللهعليهوآله أن لا تقلق من وحشية الأعداء وكثرتهم وما يملكون من إمكانات مادية واسعة ، لأنّ الله أعطاك ما لا يقف أمامه شيء : (وَلَقَدْءَاتَيْنَاكَ سَبْعًا مّنَ الْمَثَانِى وَالْقُرْءَانَ الْعَظِيمَ).
اعتبر أكثر المفسرين أنّ «سبعاً من المثاني» كناية عن سورة الحمد ، والروايات كذلك تشير لهذا المعنى. والداعي لذلك كونها تتألف من سبع آيات ، لأهميتها وعظمة محتواها فقد نزلت مرّتين على النبي محمّد صلىاللهعليهوآله.
إنّ الله تعالى قد صرّح لنبيه الكريم صلىاللهعليهوآله بأنّك قد ملكت سنداً عظيماً (القرآن) ، ولا تستطيع أي قوة في عالم الوجود أن تصرعه.
وبالذات سورة الفاتحة منه التي لها من المحتوى والأثر بحيث لو إرتبط العبد بربّه ولو للحظة واحدة لحلّقت روحه لساحة قدس الرب ، وهي تعيش حال التعظيم والتسليم والمناجاة والدعاء.
وبعد هذه الهبة العظيمة يأمر الله تعالى نبيه الكريم صلىاللهعليهوآله بأربعة أوامر فيقول له أوّلاً : (لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مّنْهُمْ). فمتاع الحياة الدنيا ليست دائمة ولا خالية من التبعات ، والحفاظ عليها أمر صعب في أحسن الحالات.