ثم يقول في الأمر الثاني : (وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ) لما عندهم من أموال ونعم مادية.
في تفسير القمّي عن الإمام الصادق عليهالسلام : «لمّا نزلت هذه الآية لا تمدّنّ عينيك ؛ قال رسول الله صلىاللهعليهوآله من لم يتعزّ بعزاء الله تقطّعت نفسه على الدنيا حسرات ، ومن رمى بنظره إلى ما في يد غيره كثر همّه ولم يشف غيظه ومن لم يعلم أنّ الله عليه نعمة إلّافي مطعم أو ملبس فقد قصر عمله ودنا عذابه ومن أصبح على الدنيا حزيناً أصبح على الله ساخطاً ومن شكا مصيبة نزلت به فإنّما يشكو ربّه ومن دخل النار من هذه الأمّة ممن قرأ القرآن فهو ممن يتّخذ آيات الله هزواً ومن أتى ذا ميسرة فيخشع له طلب ما في يديه ذهب ثلثا دينه».
فالأمر الأوّل يتعلّق بعدم الإهتمام والتوجه نحو النعم المادية ، والأمر الثاني يتعلق بعدم التأثر لفقدانها.
والأمر الثالث : جاء بخصوص ضرورة اللين والتواضع مع المؤمنين حيث يقول : (وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ).
إنّ هذا التعبير ، كناية جميلة عن التواضع والمحبة والملاطفة ، فالطيور حينما تريد إظهار حنانها لفراخها تجعلها تحت أجنحتها بعد خفضها ، فتجسّم بذلك أعلى صور العاطفة والحنان وتحفظهم من الحوادث والأعداء ، وتحميهم من التشتت.
ونصل إلى الأمر الرابع : (وَقُلْ) لهؤلاء الكفرة المنعّمين بكل حزم (إِنّى أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ). قل : أنذركم من أمر الله بنزول عذابه عليكم (كَمَا أَنزَلْنَا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ الَّذِينَ جَعَلُوا القُرْءَانَ عِضِينَ). أي : الذين قسّموا الآيات القرآنية أصنافاً ، فما كان ينفعهم أخذوه ، وما لا ينسجم ومشتهياتهم تركوه.
والمؤمن الخالص لا يجرؤ على تجزئة أو تقسيم أو تبعيض الأحكام الإلهية.
(فَوَ رَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٩٢) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٩٣) فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (٩٤) إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِءِينَ (٩٥) الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٩٦) وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (٩٧) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (٩٨) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) (٩٩)
إصدع بما تؤمر : يبيّن القرآن في أواخر سورة الحجر مصير المقتسمين الذين ذُكروا في