التي لها خواص غامضة ومجهولة فيقرأونها بغير تمعّن في مضامينها ، مع أنّ القرآن كله مدرسة ودروس ومنهج ويقظة ، ورسالة ووعي.
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمـَنِ الرَّحِيمِ
(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (١) هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ) (٢)
تبدأ السورة بالحمد لله والثناء عليه ، ثم تشرع بتوعية الناس على مبدأ التوحيد ، عن طريق خلق العالم الكبير (السماوات والأرض) أوّلاً ؛ ثم عن طريق خلق العالم الصغير (الإنسان) ثانياً : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى خَلَقَ السَّموَاتِ وَالْأَرْضَ). الله الذي هو مبدأ الظلمة والنور ، بخلاف ما يعتقده الثنويون ، وهو وحده خالق كل شيء : («وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ).
غير أنّ الكافرين والمشركين ، بدلاً من أن يتعلّموا من هذا النظام الواحد درس التوحيد ، يصطنعون لله الشريك والشبيه : («ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبّهِمْ يَعْدِلُونَ).
نلاحظ أنّ القرآن يذكر عقيدة المشركين بعد حرف العطف «ثم» الذي يدل في اللغة العربية على الترتيب والتراخي ، وهذا يدل على أنّ التوحيد كان في أوّل الأمر مبداً فطرياً وعقيدة عامة للبشر ، بعد ذلك حصل الشرك كانحراف عن الأصل الفطري.
وروي في تفسير نور الثقلين عن أمير المؤمنين علي عليهالسلام في تفسير هذه الآية قوله : «وكان في هذه الآية ردّ على ثلاثة أصناف منهم لمّا قال : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى خَلَقَ السَّموَاتِ وَالْأَرْضَ). فكان ردّاً على الدهرية الذين قالوا : إنّ الأشياء لا بدء لها وهي دائمة ، ثم قال : (وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ) فكان ردّاً على الثنوية الذين قالوا : إنّ النور والظلمة هما المدبران ، ثم قال : (ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبّهِمْ يَعْدِلُونَ) فكان ردّاً على مشركي العرب الذين قالوا : إنّ أوثاننا آلهة».
والآية التالية تلفت نظر الإنسان إلى العالم الصغير (الإنسان) فتشير إلى أعجب أمر وهو خلقه من الطين فتقول : («هُوَ الَّذِى خَلَقَكُم مِّن طِينٍ).
صحيح أنّنا ولدنا من أبوينا ، لا من الطين ، ولكن بما أنّ خلق الإنسان الأوّل كان من