الطين ، فيصح أن نخاطب نحن أيضاً على أنّنا مخلوقين من الطين.
وتستمر السورة فتشير إلى مراحل تكامل عمر الإنسان فتقول : إنّ الله بعد ذلك عيّن مدّة يقضيها الإنسان على هذه الأرض للنمو والتكامل : («ثُمَّ قَضَى أَجَلاً).
ثم لإستكمال البحث تقول : («وَأَجَلٌ مُّسَمًّى عِندَهُ).
بعد ذلك تخاطب الآية المشركين وتقول لهم : (ثُمَّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ). أي تشكّون في قدرة الخالق الذي خلق الإنسان من هذه المادة التافهة (الطين) واجتاز به هذه المراحل المدهشة ، وتعبدون من دونه موجودات لا قيمة لها كالأصنام.
إنّ كلمة «أجل» وحدها تعني غير الحتمي من العمر والوقت والمدّة و «الأجل المسمى» بمعنى الحتمي منها وبعبارة اخرى «الأجل المسمى» هو الموت الطبيعي ؛ و «الأجل» هو الموت غير الطبيعي ، ولكن أنّ الأجلين يعيّنهما الله.
(وَهُوَ اللهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ) (٣)
هذه الآية تكمل البحث السابق في التوحيد ووحدانية الله ، وترد على الذين يقولون بوجود إله لكل مجموعة من الكائنات ، أو لكل ظاهرة من الظواهر ، فيقولون : إله المطر ، وإله الحرب ، وإله السلم ، وإله السماء ، وما إلى ذلك ، تقول الآية : (وَهُوَ اللهُ فِى السَّموَاتِ وَفِى الْأَرْضِ).
من الطبيعي أن يكون الحاكم على كل شيء والمدبّر لكل الامور والحاضر في كل مكان عارفاً بجميع الأسرار والخفايا ولهذا تقول الآية : إنّ ربّاً كهذا (يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ).
(وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (٤) فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ) (٥)
قلنا : إنّ معظم الخطاب في سورة الأنعام موجّه إلى المشركين ، والقرآن يستخدم شتّى السبل لإيقاظهم وتوعيتهم ، فهذه الآية والآيات الكثيرة التي تليها تواصل هذا الموضوع. تشير هذه الآية إلى روح العناد واللامبالاة والتكبر عند المشركين تجاه الحق وتجاه آيات الله ، فتقول : (وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْءَايَةٍ مِّنْءَايَاتِ رَبّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ).