ثم تشير الآيات إلى أصل أساسي في إبطال هذه الإدعاءات الفارغة فتقول : إنّ هؤلاء لا علم لهم ولا يقين بهذا الكلام ، وإنّما هم مقلدون فيه للآباء ، وإنّ آباءهم على شاكلتهم في الجهل وعدم العلم : (مَّا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِأَبَائِهِمْ). ومع ذلك فإنّهم يتفوّهون بكلام رهيب (كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ). فهل يعقل أن يكون الله جسماً أو يكون له ولد ، أو أن يحتاج إلى الصفات المادية وأن يكون محدوداً ... إنّه كلام رهيب ، ومثل هؤلاء الذين يتفوّهون به لا ينطقون إلّاكذباً : (إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا).
«قيّم» : على وزن كلمة «سيّد» مشتقة من مصدر الكلمة «قيام» وهنا تأتي بمعنى (الثبات والصمود) إضافة إلى أنّها هي وصف للقرآن في عدم وجود أي اعوجاج في آياته ، بل إنّ في مضمونها تأكيد على استقامة واعتدال القرآن ، وخلوّه من أيّ شكل من أشكال التناقض ، وإشارة إلى أبدية وخلود هذا الكتاب السماوي العظيم ، وكونه أسوة لحفظ الأصالة ، وإصلاح الخلل ، وحفظ الأحكام الإلهية والعدل والفضائل البشرية.
صفة «القيّم» : مشتقة من «قيمومة» الباري عزوجل التي تعني اهتمام الباري عزوجل وحفظه جميع الكائنات ، والقرآن الذي هو كلام الله له نفس الصفة أيضاً.
(فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً (٦) إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً (٧) وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيداً جُرُزاً) (٨)
العالم ساحة اختبار : الآيات السابقة كانت تتحدّث عن الرسالة وقيادة النبي صلىاللهعليهوآله ، لذا فإنّ أوّل آية نبحثها الآن ، تشير إلى أحد أهم شروط القيادة ، ألا وهي الإشفاق على الامّة فتقول : (فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى ءَاثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا).
وهنا يجب الإنتباه إلى بعض الملاحظات :
«باخع» : من «بخع» على وزن «نخل» وهي بمعنى إهلاك النفس من شدّة الحزن والغم.
استخدام كلمة «حديث» للتعبير عن القرآن ، هو إشارة إلى ما ورد من معارف جديدة في هذا الكتاب السماوي الكبير.
الآية التي بعدها تجسّد وضع هذا العالم وتكشف عن أنّه ساحة للاختبار والتمحيص