فرعون للتشاور في معالجة الموقف ، إذ نقرأ في أوّل آية من هذا المقطع : (وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلهٍ غَيْرِى).
فأنا إلهكم في الأرض .. أمّا إله السماء فلا دليل على وجوده ، ولكنّني سأتحقق في الأمر ولا أترك الإحتياط ، فالتفت إلى وزيره هامان وقال : (فَأَوْقِدْ لِى يَا همنُ عَلَى الطّينِ). ثم أصدر الأوامر ببناء برج أو قصر مرتفع جدّاً لأصعد عليه واستخبر عن إله موسى. (فَاجْعَلْ لِّى صَرْحًا لَّعَلّى أَطَّلِعُ إِلَى إِلهِ مُوسَى وَإِنّى لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكذِبِينَ).
ولمّا بلغ البناء تمامه .. جاء فرعون بنفسه يوماً وصعده بتشريفات خاصة.
المعروف أنّه رمى سهماً إلى السماء ، فرجع السهم مخضباً بالدم على أثر إصابته لأحد الطيور أو أنّها كانت خديعة من قبل فرعون من قبل .. فنزل فرعون من أعلى القصر وقال للناس : اذهبوا واطمأنوا فقد قتلت إله موسى.
ومن المسلم به أنّ جماعة من البسطاء الذين يتبعون الحكومة اتباعاً أعمى وأصم ، صدّقوا ما قاله فرعون ونشروه في كل مكان ، وشغلوا الناس بهذا الخبر لإغفالهم عن الحقائق.
بعد هذا كلّه يتحدث القرآن عن استكبار فرعون ومن معه ، وعدم إذعانهم لمسألتي «المبدأ والمعاد» بحيث كان فرعون يرتكب ما يشاء من إجرام وجنايات بسبب إنكار هذين الأصلين فيقول : (وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِى الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَايُرْجَعُونَ).
لكن لننظر إلى أين وصل هذا الغرور بفرعون وجنوده؟ يقول القرآن الكريم : (فَأَخَذْنهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنهُمْ فِى الْيَمّ). أجل ، لقد جعلنا سبب موتهم في مصدر معيشتهم ، وجعلنا النيل الذي هو رمز عظمتهم وقوّتهم مقبرةً لهم.
إنّ تعبير «نبذناهم» من مادة «نبذ» ، ومعناه رمي الأشياء التي لا قيمة لها وطرحها بعيداً.
ثم ، يختتم الآية بالتوجه إلى النبي صلىاللهعليهوآله قائلاً : (فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عقِبَةُ الظَّالِمِينَ).
ثم يضيف القرآن قائلاً في شأنهم : (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيمَةِ لَايُنصَرُونَ). فكما أنّهم كانوا في هذه الدنيا أئمّة الضلال ، فهم في الآخرة ـ أيضاً ـ أئمة النار ، لأنّ ذلك العالم تجسم كبير لهذا العالم.
ولمزيد التأكيد يصور القرآن صورتهم وماهيتهم في الدنيا والآخرة : (وَاتَّبَعْنَاهُمْ فِى