وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لقِيهِ كَمَن مَّتَّعْنهُ مَتعَ الْحَيَوةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيمَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ).
جملة (هُوَ يَوْمَ الْقِيمَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ) إشارة إلى الإحضار في محضر الله يوم القيامة للحساب. وجملة (الْحَيَوةِ الدُّنْيَا) التي تكررت في سور مختلفة من القرآن الكريم ، إشارة إلى حقارة هذه الحياة بالنسبة للحياة الاخرى ، لأنّ كلمة «دنيا» في الأصل مأخوذة من «دنو» ومعناها القرب في المكان أو الزمان أو المنزلة والمقام ، ثم توسّع هذا المفهوم ليطلق بلفظ «دنيا» أو «أدنى» على الموجودات الصغيرة التي تحت اليد في مقابل الموجودات الكبيرة ، وقد يطلق هذا اللفظ على الموضوعات التي لا قيمة لها في مقابل الأشياء ذات القيمة العالية ، وربّما استعمل في القرب في مقابل البعد ، وحيث إنّ هذه «الحياة» في مقابل العالم الآخر صغيرة ولا قيمة لها وقريبة أيضاً ، فإنّ تسميتها بالحياة الدنيا تسمية مناسبة جدّاً.
ثم يأتي الكلام عن عرصات يوم القيامة ومشاهدها ليجسّده أمام الكفار ، مشاهد يقشعر منها البدن حين يتصورها الإنسان ، فيقول القرآن : (وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَاءِىَ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ).
فهذا السؤال في الحقيقة فيه نوع من الإهانة والتوبيخ والعقوبة.
ولكنّهم بدلاً من أن يجيبوا بأنفسهم ، فإنّ معبوديهم هم الذين يردّون الجواب ، ويتبرؤون منهم ، ويتنفرون من عبادة المشركين إيّاهم.
ونعرف أنّ معبودات المشركين وآلهتهم على ثلاثة أنواع : فإمّا أن يكونوا أصناماً «وأحجاراً وخشباً» أو من المقدسين كالملائكة والمسيح ، وإمّا أن يكونوا من الشياطين والجنّ. فالذين يردّون على السؤال ويجيبون هم النوع الثالث ، كما حكى عنهم القرآن : (قَالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنَا هؤُلَاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنَا أَغْوَيْنهُمْ كَمَا غَوَيْنَا تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ).
وتعقيباً على السؤال عن آلهتهم وعجز المشركين عن الجواب ، يطلب أن يدعوهم لنصرتهم (وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ) (١).
وحيث يعلم المشركون أنّ دعاءهم غير نافع ، وأنّ المعبودين «الشركاء» لا يمكن أن يفعلوا شيئاً من شدّة الهلع والوحشة ، أو استجابة لأمر الله ، يتوجهون إلى الشركاء ويدعونهم كما يقول القرآن الكريم : (فَدَعَوْهُمْ).
__________________
(١) التعبير ب «شركاءكم» مع أنّ هؤلاء الشركاء كانوا قد جعلوا شركاء الله سبحانه ، هو إشارة إلى أنّ هؤلاء الشركاء من صنعكم وهم متعلقون بكم لا بالله.