التعامل المنطقي مع المعارضين : الآيات السابقة تعرّضت لقضية المبدأ والمعاد ، أمّا الآيات التي نحن بصددها فهي توضّح أسلوب المحادثة والاستدلال مع المعارضين وخصوصاً المشركين ، لأنّه مهما كان المذهب عالي المستوى ، والمنطق قويّاً ، فإنّ ذلك لا تأثير له ما دام لا يتزامن مع اسلوب صحيح للبحث والمجادلة مرفقاً بالمحبة بدلاً من الخشونة ، لذا فإنّ أوّل آية من هذه المجموعة تقول : (وَقُل لّعِبَادِى يَقُولُوا الَّتِى هِىَ أَحْسَنُ).
الأحسن من حيث المحتوى والبيان ، والأحسن من حيث التلازم بين الدليل ومكارم الأخلاق والأساليب الإنسانية ، ولكن لماذا يستعمل هذا الاسلوب مع المعارضين؟
الجواب : إذا ترك الناس القول الأحسن واتبعوا الخشونة في الكلام والمجادلة ف (إِنَّ الشَّيْطنَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ) ويثير بينهم الفتنة والفساد ، فلا تنسوا : (إِنَّ الشَّيْطنَ كَانَ لِلْإِنْسنِ عَدُوًّا مُّبِينًا).
وكلمة «عبادي» خطاب للمؤمنين ، حيث تعلّمهم الآية اسلوب النقاش مع الأعداء ، فقد يحدث في بعض الأحيان أن يتعامل المؤمنون الجدد بخشونة مع معارضي عقيدتهم ويقولون لهم بأنّهم من أهل النار والعذاب ، وأنّهم ضالون ، قد يكون هذا الموقف سبباً في أن يقف المعارضون موقفاً سلبياً إزاء دعوة الرسول صلىاللهعليهوآله.
اضافة لذلك ، فإنّ الإتهامات التي يطلقها المشركون ضد شخص رسول الله صلىاللهعليهوآله ويتهمونه فيها بالسحر والجنون والكهانة والشعر ، قد تكون سبباً في أن يفقد المؤمنون السيطرة على أنفسهم ويبدأوا بالتشاجر مع المشركين ويستخدموا الألفاظ الخشنة ضدّهم ... القرآن يمنع المؤمنين من هذا العمل ويدعوهم إلى التزام اللين والتلطّف بالكلام واختيار أفضل الكلمات في اسلوب التخاطب ، حتى يأمنوا من إفساد الشيطان.
الآية التي بعدها تضيف : (رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِن يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِن يَشَأْ يُعَذّبْكُمْ).
وفي آخر الآية مواساة للرسول صلىاللهعليهوآله الذي كان يتأذى ويتألم من عدم إيمان المشركين ، إذ يقول تعالى : (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً).
إنّ مسؤوليتك ـ يا رسول الله ـ هي الإبلاغ الواضح ، والدعوة الحثيثة نحو الحق ، فإذا آمنوا فهو الأفضل ، وإن لم يؤمنوا فسوف لن يصيبك ضرر.
الآية التالية ذهبت أكثر من الآية السابقة في التعبير عن إحاطة الله تبارك وتعالى وعلمه بأعمال ونيات عباده ، فقالت : (وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَن فِى السَّموَاتِ وَالْأَرْضِ). ثم أضافت :