واقتراحاتهما من الناحية العقائدية والبرامج الدينية ، وهذه بالضبط نقطة الإعتدال الأصلية التي تجمع فيها حقوق الله والوالدين ، ولذا يضيف بعد ذلك : (وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَىَّ). لأنّ المصير إليه سبحانه : (ثُمَّ إِلَىَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ).
إنّ الآية أعلاه تشبه ما جاء في الآية (٨) من سورة العنكبوت ، حيث تقول : (وَوَصَّيْنَا الْإِنسنَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِى مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَىَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ).
(يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللهُ إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (١٦) يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (١٧) وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (١٨) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) (١٩)
كانت اولى مواعظ لقمان عن مسألة التوحيد ومحاربة الشرك ، وثانيتها عن حساب الأعمال والمعاد ، والتي تكمّل حلقة المبدأ والمعاد ، فيقول : (يَا بُنَىَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِى صَخْرَةٍ أَوْ فِى السَّموَاتِ أَوْ فِى الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللهُ). أي في يوم القيامة. ويضعها للحساب : (إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ).
«الخردل» : نبات له حبّات سوداء صغيرة جدّاً يضرب المثل بصغرها ؛ وهذا التعبير إشارة إلى أنّ أعمال الخير والشر مهما كانت صغيرة لا قيمة لها ، ومهما كانت خفية كخردلة في بطن صخرة في أعماق الأرض ، أو في زاوية من السماء ، فإنّ الله اللطيف الخبير المطّلع على كل الموجودات ، صغيرها وكبيرها في جميع أنحاء العالم ، سيحضرها للحساب والعقاب والثواب ، ولا يضيّع شيئاً في هذا الحساب.
إنّ الإلتفات والتوجه إلى هذا الإطلاع التام من قبل الخالق سبحانه على أعمال الإنسان وعلمه بها ، هو أساس كل الإصلاحات الفردية والاجتماعية ، وهو قوة وطاقة محركة نحو الخيرات ، وسدّ منيع من الشرور والسيئات.
وبعد تحكيم اسس المبدأ والمعاد ، والتي هي أساس كل الإعتقادات الدينية ، تطرّق لقمان