الأخلاقية والاجتماعية ، ولأجل إكمال البحث ، تتّجه الآيات إلى بيان نعم الله تعالى لتبعث في الناس حسن الشكر ... الشكر الذي يكون منبعاً لمعرفة الله وطاعة أوامره ، فيوجّه الخطاب لكل البشر ، فيقول : (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُم مَا فِى السَّموَاتِ وَمَا فِى الْأَرْضِ).
ثم تضيف الآية : (وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظهِرَةً وَبَاطِنَةً).
«أسبغ» : من مادة «سَبغ» وهي في الأصل بمعنى الثوب أو الدرع العريض الكامل ، ثم اطلق على النعم الكثيرة الوفيرة أيضاً.
وتتحدث الآية في النهاية عمّن يكفر بالنعم الإلهية الكبيرة العظيمة ، والتي تحيط الإنسان من كل جانب ، ويهبّ إلى الجدال ومحاربة الحق ، فتقول : (وَمِنَ الْنَّاسِ مَن يُجدِلُ فِى اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ). وبدل أن يعرف ويقدّر هبة وعطاء كل هذه النعم الظاهرة والباطنة ، فإنّه يتّجه إلى الشرك والجحود نتيجة الجهل.
والملفت للنظر هو أنّ «العلم» : إشارة إلى الإدراكات التي يدركها الإنسان عن طريق عقله ؛ و «الهدى» : إشارة إلى المعلمين والقادة الربانيين والسماويين ، والعلماء الذين يأخذون بيده في هذا المسير ويوصلونه إلى الغاية والهدف ؛ والمراد من «الكتاب المنير» : الكتب السماوية التي تملأ قلب الإنسان نوراً عن طريق الوحي.
إنّ هذه الجماعة العنيدة لا يمتلكون علماً ، ولا يتّبعون مرشداً وهادياً ، ولا يستلهمون من الوحي الإلهي ، ولما كانت طرق الهداية منحصرة بهذه الامور الثلاثة فإنّ هؤلاء لما تركوها سقطوا في هاوية الضلال والضياع ووادي الشياطين.
وتشير الآية التالية إلى المنطق الضعيف السقيم لهذه الفئة ، فتقول : (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِءَابَاءَنَا). ولمّا لم يكن اتّباع الآباء الجهلة المنحرفين جزءاً من أيّ واحد من الطرق الثلاثة المذكورة أعلاه للهداية ، فإنّ القرآن ذكره بعنوان الطريق الشيطاني ، وقال : (أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطنُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ).
ثم تطرّقت الآية التالية إلى بيان حال مجموعتين : المؤمنين الخلّص ، والكفار الملوّثين ، وتجعلهم مورد اهتمامها في المقارنة بينهم ، فقالت : (وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى).