والإستمساك بالعروة الوثقى تشبيه لطيف لهذه الحقيقة ، وهي أنّ الإنسان يحتاج لنجاته من منحدر الماديّة والإرتقاء إلى أعلى قمم المعرفة والمعنويات وتسامي الروح ، إلى واسطة ووسيلة محكمة مستقرّة ثابتة ، وليست هذه الوسيلة إلّاالإيمان والعمل الصالح ، وكل سبيل ومتّكأ غيرهما متهرّيء متخرّق هاوٍ وسبب للسقوط والموت ، إضافة إلى أنّ ما يبقى هو هذه الوسيلة ، وكل ماعداها فانٍ ، ولذلك فإنّ الآية تقول في النهاية : (وَإِلَى اللهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ).
في تفسير البرهان : من طريق العامة عن الرضا عليهالسلام عن آبائه عليهمالسلام ، قال : «قال رسول الله صلىاللهعليهوآله» ستكون بعدي فتنة مظلمة ، الناجي منها من تمسّك بالعروة الوثقى. فقيل : يا رسول الله ، وما العروة الوثقى؟ قال : ولاية سيد الوصيين. قيل : يا رسول الله ، ومن سيد الوصيين؟ قال : أمير المؤمنين. قيل : يا رسول الله ومن أمير المؤمنين؟ قال : مولى المسلمين وإمامهم بعدي. قيل : يا رسول الله ، ومن مولى المسلمين وإمامهم بعدك؟ قال : أخي علي بن أبي طالب.
وقد رويت روايات اخرى في هذا الباب تؤيّد أنّ المراد من العروة الوثقى مودّة أهل البيت عليهمالسلام ، أو حبّ آل محمّد صلىاللهعليهوآله ، أو الأئمة من ولد الحسين عليهمالسلام.
وقد قلنا مراراً : إنّ هذه التفاسير بيان للمصاديق الواضحة ، ولا تتنافي مع المصاديق الاخرى كالتوحيد والتقوى وأمثال ذلك.
ثم تطرقت الآية التالية إلى بيان حال الفئة الثانية ، فقالت : (وَمَن كَفَرَ فَلَا يَحْزُنكَ كُفْرُهُ و). لأنّك قد أدّيت واجبك على أحسن وجه ، وهو الذي قد ظلم نفسه.
فلا تحزن أن تكفر جماعة من الناس ، ويظلموا ويجوروا وهم متنعمون بالنعم الإلهية ولا يعاقبون ، فلا عجلة في الأمر ، إذ : (إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبّئُهُم بِمَا عَمِلُوا). فإنّنا مطّلعون على أسرارهم ونيّاتهم كاطّلاعنا على أعمالهم ، ف : (إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ).
ثم يضيف بأنّ تمتّع هؤلاء بالحياة لا ينبغي أن يثير عجبك ، لأنّا (نُمَتّعُهُمْ قَلِيلاً ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ) ذلك العذاب الأليم المستمر.
إنّ هذا التعبير لعله إشارة إلى أنّ هؤلاء لا يتصوروا أنّهم خارجون عن قبضة قدرة الله سبحانه ، بل إنّه يريد أن يمهل هؤلاء للفتنة وإتمام الحجة والأهداف الاخرى.
* * *