والسماء والملائكة الموجودة في هذه العوالم ، يعدّ لا شيء ، لأنّ أصل الإنسان يعود إلى حفنة من التراب اللزج.
ولأنّ أصل الإنسان كان من التراب الذي خلط بالماء ، وبعد فترة أضحى طيناً متجمّعاً ذا رائحة نتنة ، ثم تحول إلى طين متماسك (وهذه الصورة هي جمع لحالات متعددة مذكورة في عدّة آيات في القرآن المجيد).
ثم يضيف القرآن الكريم : (بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ).
وما يكمن وراء تلك التصرفات القبيحة ليس هو الجهل ـ فقط ـ وعدم المعرفة ، بل إنّها اللجاجة والعناد ، إذ أنّهم كلّما ذكّروا بدلائل المعاد والعقوبات الإلهية لا يتذكّرون (وَإِذَا ذُكّرُوا لَايَذْكُرُونَ).
والأنكى من ذلك ، أنّهم كلّما شاهدوا معجزة من معجزاتك ، لا يكتفون بالإستهزاء ، وإنّما يدعون الآخرين للإستهزاء أيضاً : (وَإِذَا رَأَوْاءَايَةً يَسْتَسْخِرُونَ).
(وَقَالُوا إِنْ هذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّبِينٌ).
قولهم «هذا» المقصود منه تحقير المعجزات والآيات الإلهية والإنتقاص منها.
(أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (١٦) أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ (١٧) قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ (١٨) فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنْظُرُونَ (١٩) وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هذَا يَوْمُ الدِّينِ (٢٠) هذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (٢١) احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ (٢٢) مِنْ دُونِ اللهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ) (٢٣)
هل نبعث من جديد : الآيات هذه تتابع سرد أقوال منكري المعاد ، وتواصل الردّ عليها ، فالآية الاولى تعكس إستبعاد البعث من قبل منكريه بهذا النص : (أَءِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ).
وهل سيبعث آباؤنا الأوّلون أيضاً؟ (أَوَءَابَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ). فمن يستطيع جمع تلك العظام النخرة وأكوام التراب المتفرّقة المتبقيّة من الإنسان؟ ومن يتمكّن من إعادة الحياة إليها؟
فهؤلاء ذوي القلوب العمياء نسوا أنّهم كانوا تراباً في اليوم الأوّل ، ومن التراب خلقوا ، وإذ كانوا يشكّكون في قدرة الله ، فعليهم أن يعرفوا أنّ الله كان قد أراهم قدرته ، وإن كانوا يشكّكون بإستحالة التراب ، فقد أثبت ذلك من قبل.