إِلهَ إِلَّا اللهُ يَسْتَكْبِرُونَ).
إنّ التكبر والغرور ، وعدم الإنصياع للحق ، والعمل بالعادات الخاطئة والتقاليد الباطلة بإصرار ولجاجة ، والنظر إلى كل شيء باستخفاف واستحقار ، تؤدّي جميعاً إلى إنحراف الإنسان.
لكن هؤلاء برّروا إرتكابهم للذنوب الكبيرة بتبريرات أسوأ من ذنوبهم ، كقولهم : هل نترك آلهتنا وأصنامنا من أجل شاعر مجنون؟ (وَيَقُولُونَ أَئِنّا لَتَارِكُواءَالِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ).
لقد أطلقوا على النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله كلمة (شاعر) لأنّ كلامه كان ينفذ إلى قلوبهم ويحرّك عواطفهم ، فأحياناً كان يتكلّم إليهم بكلام يفوق أفضل الأشعار وزناً ، في الوقت الذي لم يكن حديثه شعراً ، وكانوا يعتبرونه (مجنوناً) لكونه لم يتلوّن بلون المحيط الذي يعيش فيه ، ووقف موقفاً صلباً أمام العقائد الخرافية التي يعتقد بها المجتمع المتعصّب حينذاك ، الموقف الذي اعتبره المجتمع الضال في ذاك الوقت نوع من الإنتحار الجنوني ، في الوقت الذي كان أكبر فخر لرسول الله صلىاللهعليهوآله ، هو عدم إستسلامه للوضع السائد حينذاك.
وهنا تدخل القرآن لردّ إدّعاءاتهم التافهة والدفاع عن مقام الوحي ورسالة النبي صلىاللهعليهوآله عندما قال : (بَلْ جَاءَ بِالْحَقّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ).
فمحتوى كتابه من جهة ، وتوافق دعوته مع دعوات الأنبياء السابقين من جهة اخرى ، هي خير دليل على صدق حديثه.
وأمّا أنتم أيّها المستكبرون الضالون ، فإنّكم ستذوقون العذاب الإلهي الأليم : (إِنَّكُمْ لَذَائِقُوا الْعَذَابِ الْأَلِيمِ).
ولا تتصوّروا أنّ الله منتقم ، وأنّه يريد الإنتقام لنبيّه منكم ، كلّا ليس كذلك : (وَمَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ).
وجزاؤكم إنّما هو نتيجة أعمالكم وتكبّركم وكفركم وعدم إيمانكم بالله وزعمكم بأنّ آيات الله هي (شعر) ورسوله (مجنون) إضافةً إلى ظلمكم وإرتكابكم القبائح.
آخر آية في هذا البحث ، والتي هي مقدمة للبحث المقبل ، تستثني مجموعة من العذاب ، وهي مجموعة عباد الله المخلصين : (إِلَّا عِبَادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ).
وكلمة (عِبَادَ اللهِ) يمكنها لوحدها أن تبيّن إرتباط هذه المجموعة بالله سبحانه وتعالى ، وعندما تضاف إليها كلمة (مخلصين) فإنّها تعطي لتلك الكلمة عمقاً وحياةً.
نعم فهذه المجموعة لا تحاسب على أعمالها ، وإنّما يعاملها الله سبحانه وتعالى بفضله