وأثناء بحثه عن قرينه وصديقه ينظر إلى جهنم ، ويرى فجأةً صديقه وسط جهنم : (فَاطَّلَعَ فَرَءَاهُ فِى سَوَاءِ الْجَحِيمِ) (١).
فيخاطبه قائلاً : أقسم بالله لقد كدت أن تهلكني وتسقطني فيما سقطت فيه (قَالَ تَاللهِ إِن كِدتَّ لَتُرْدِينِ) (٢).
فلولا لطف الله الذي منعني من ذلك ونعمته التي سارعت لمساعدتي ، لكنت اليوم من المحضرين للعذاب مثلك في نار جهنم (وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبّى لَكُنتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ).
وهنا يلقي نظرة اخرى إلى صديقه في جهنم ، ويقول له موبّخاً إيّاه : ألم تكن أنت القائل لي في الدنيا بأنّنا لا نموت (أَفَمَا نَحْنُ بِمَيّتِينَ). سوى مرّة واحدة في الدنيا ، وبعدها لا حياة اخرى ولا عذاب (إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ).
هنا اختتم الحديث بجملة عميقة المعاني : (إِنَّ هذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).
ما أعظم هذا الفوز الذي يغرق فيه الإنسان بنعمة الخلود والحياة الأبدية ، وتشمله الألطاف الإلهية.
ثم يقول تبارك وتعالى في ختام البحث جملة توقظ القلوب وتهزّ الأعماق : (لِمِثْلِ هذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ). أي لمثل هذا فليعمل الناس ، ومن أجل نيل هذه النعم فليسع الساعون.
فما أجمل التعبير الذي صاغته الآيات القرآنية المذكورة أعلاه ، عندما دعت المؤمنين إلى هذا الهدف ، أي نيل الجنان المملوءة بالملذّات الروحية والجسمية ، التي تشمل الشراب الطاهر الذي يغرق الإنسان في الظلّ الملكوتي ، والقرناء والأصدقاء الطيبين ذوي القلوب الصافية الذين تزيل مجالستهم كل أشكال الغم.
(أَذلِكَ خَيْرٌ نُزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ (٦٢) إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ (٦٣) إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ (٦٤) طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ (٦٥) فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ (٦٦) ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ (٦٧) ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ (٦٨) إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ (٦٩) فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ) (٧٠)
__________________
(١) «سواء» : تعني الوسط.
(٢) «تردين» : من مادة «إرداء» وتعني السقوط من مكان عالٍ ، وهلاك الساقط.