في الواقع إنّ ثلاثة بشائر جمعت في هذه الآية ، الاولى أنّه سيرزق طفلاً ذكراً ، والثانية أنّ هذا الطفل يبلغ سنّ الفتوّة ، أمّا الثالثة فهي أنّ صفته حليم.
أخيراً ، ولد الطفل الموعود لإبراهيم وفق البشارة الإلهية ، وأثلج قلب إبراهيم الذي كان ينتظر الولد الصالح لسنوات طوال ، إجتاز الطفل مرحلة الطفولة وأضحى غلاماً ، وهنا يقول القرآن : (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْىَ). يعني أنّه وصل إلى مرحلة من العمر يستطيع فيها السعي وبذل الجهد مع والده في مختلف امور الحياة وإعانته على اموره.
فقد ذهب جمع من المفسرين : إنّ عمر إسماعيل كان (١٣) عاماً حينما رأى إبراهيم ذلك المنام العجيب المحيّر ، والذي يدلّ على بدء امتحان عسير آخر لهذا النبي ذي الشأن العظيم ، إذ رأى في المنام أنّ الله يأمره بذبح إبنه الوحيد وقطع رأسه.
امتحان شاقّ آخر يمرّ على إبراهيم الآن ، إبراهيم الذي نجح في كافّة الإمتحانات الصعبة السابقة وخرج منها مرفوع الرأس ، ولكن قبل كل شيء ، فكّر إبراهيم عليهالسلام في إعداد إبنه لهذا الأمر ، حيث (قَالَ يَا بُنَىَّ إِنّى أَرَى فِى الْمَنَامِ أَنّى أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى).
الولد الذي كان نسخة طبق الأصل من والده ، والذي تعلّم خلال فترة عمره القصيرة الصبر والثبات والإيمان في مدرسة والده ، رحّب بالأمر الإلهي بصدر واسع وطيبة نفس ، وبصراحة واضحة قال لوالده : (قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ).
ولا تفكّر في أمري ، فإنّك (سَتَجِدُنِى إِن شَاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ).
فما أعظم كلمات الأب والإبن وكم تخفي في بواطنها ؛ فمن جهة ، الأب يصارح ولده البالغ من العمر (١٣) عاماً بقضية الذبح ، حيث جعله هنا شخصية مستقلّة حرّة الإرادة.
ومن جهة اخرى ، عمد الإبن إلى ترسيخ عزم وتصميم والده في تنفيذ ما أمر به.
وبهذا الشكل يجتاز الأب وإبنه المرحلة الاولى من هذا الإمتحان الصعب بإنتصار كامل.
كتب البعض : إنّ إسماعيل ساعد والده في تنفيذ هذا الأمر الإلهي ، وعمل على تقليل ألم وحزن والدته.
يا أبت ، أحكم شدّ الحبل كي لا تتحرّك يدي ورجلي أثناء تنفيذك الأمر الإلهي ، أخاف أن يقلّل ذلك من مقدار الجزاء الذي سأناله.
والدي العزيز اشحذ السكّين جيّداً ، وامرره بسرعة على رقبتي كي يكون تحمّل ألم الذبح سهلاً بالنسبة لي ولك.