كتلك التي كان إبراهيم يتهدّد ويتوعّد عبدة الأوثان بها.
«الجحيم» : في اللغة هي النار التي تجتمع بعضها على بعض.
وآيات القرآن الكريم هنا لم تشر إلى تفاصيل هذا الحادث الذي ورد في سورة الأنبياء ، وإنّما أنهت هذه الحادثة بخلاصة مركّزة ولطيفة : (فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ).
«كيد» : في الأصل تعني الإحتيال ، أكان بطريقة صحيحة أم خطأ ، مع أنّها غالباً ما تستعمل في موارد مذمومة ، وهي إشارة إلى المخطّط الواسع الذي وضعه طغاة بابل للقضاء على دعوة إبراهيم للناس بقوله وعمله ومحو آثارها.
إبراهيم عليهالسلام الذي نجا بإرادة الله من هذه الحادثة الرهيبة والمؤامرة الخطيرة التي رسمها أعداؤه له ، صمّم على الهجرة إلى أرض بلاد الشام ، إذ إنّ رسالته في بابل قد إنتهت ؛ (وَقَالَ إِنّى ذَاهِبٌ إِلَى رَبّى سَيَهْدِينِ).
من البديهي أنّ الله لا يحويه مكان ، والهجرة التي تتمّ في سبيله من المجتمع الملوّث الفاسد إلى المجتمع الطاهر الصافي ، فإنّها هجرة إلى الله.
الآيات ـ هنا ـ عكست أوّل طلب لإبراهيم عليهالسلام من الباريء عزوجل ، إذ طلب الولد الصالح ، الولد الذي يتمكّن من مواصلة خطّه الرسالي ، ويتمم ما تبقّى من مسيرته ، وذلك حينما قال : (رَبّ هَبْ لِى مِنَ الصَّالِحِينَ).
فاستجاب الله لدعاء عبده إبراهيم ، ورزقه أولاداً صالحين (إسماعيل وإسحاق).
(فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ (١٠١) فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَا ذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (١٠٢) فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (١٠٣) وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ (١٠٤) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١٠٥) إِنَّ هذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ (١٠٦) وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (١٠٧) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (١٠٨) سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ (١٠٩) كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) (١١٠)
بحثنا في الآيات السابقة إنتهى عند هجرة إبراهيم عليهالسلام من بابل بعد أن أدّى رسالته هناك ، وطلبه من الله أن يرزقه ولداً صالحاً ، إذ لم يكن له ولد ، وأوّل آية في هذا البحث تتحدث عن الإستجابة لدعاء إبراهيم ، إذ قالت الآية : (فَبَشَّرْنهُ بِغُلمٍ حَلِيمٍ).