ومن البديهي أنّ الخالق والمالك يكون مدبّراً لأمر العالم أيضاً.
ولذلك تقول الآية في النهاية : (إِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِىُّ الْحَمِيدُ).
إنّه غنيّ على الإطلاق ، وحميد من كل جهة ، لأنّ كل موهبة في هذا العالم تعود إليه ، وكل ما يملكه الإنسان فإنّه صادر منه وخزائن كل الخيرات بيده ، وهذا دليل حي على غناه.
ولما كان «الحمد» بمعنى الثناء على العمل الحسن الذي يصدر عن المرء باختياره ، وكل حسن نراه في هذا العالم فهو من الله سبحانه ، فإنّ كل حمد وثناء منه.
ثم تجسّد الآية التالية علم الله اللامحدود من خلال ذكر مثال بليغ جدّاً فيقول : (وَلَوْ أَنَّمَا فِى الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلمٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمتُ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ).
«يمدّه» : من مادة «المداد» وهي بمعنى الحبر أو المادة الملوّنة التي يكتبون بها ، وهي في الأصل من «مدّ» بمعنى الخطّ ، لأنّ الخطوط تظهر على صفحة الورق بواسطة جرّ القلم.
«الكلمات» : جمع «كلمة» وهي في الأصل الألفاظ التي يتحدث ويتكلم بها الإنسان ، ثم اطلقت على معنى أوسع ، وهو كل شيء يمكنه أن يبيّن المراد والمطلب ، ولمّا كانت مخلوقات هذا العالم المختلفة يبيّن كل منها ذات الله المقدسة وعظمته ، فقد أطلق على كل موجود (كلمة الله) ، ثم استعملت كلمات الله بمعنى علم الله لهذه المناسبة.
بعد ذكر علم الله اللامحدود ، تتحدث الآية الاخرى عن قدرته اللامتناهية ، فتقول : (مَّا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ).
الآية التالية تأكيد وبيان آخر لقدرة الله الواسعة ، وقد وجّهت الخطاب إلى النبي صلىاللهعليهوآله فقالت : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُولِجُ الَّيْلَ فِى النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِى الَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ) لخدمة الناس وتأمين احتياجاتهم (كُلٌّ يَجْرِى إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَأَنَّ اللهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ).
«الولوج» : في الأصل بمعنى «الدخول» ، ودخول الليل في النهار والنهار في الليل قد يكون إشارة إلى طول وقصر الليل والنهار التدريجي على مدار السنة ، حيث ينقص شيء من أحدهما تدريجياً ، ويضاف على الآخر بصورة غير محسوسة ، لتتكوّن الفصول الأربعة للسنة بخصائصها وآثارها المباركة.
وجملة (كُلٌّ يَجْرِى إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى) إشارة إلى أنّ هذا النظام الدقيق لا يستمر إلى الأبد ، بل إنّ له نهاية بانتهاء الدنيا.