وتقول الآية الأخيرة كاستخلاص نتيجة جامعة كلية : (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الْبطِلُ وَأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِىُّ الْكَبِيرُ).
إنّ مجموع البحوث التي وردت في الآيات السابقة حول كون الله خالقاً ومالكاً ، وعن علمه وقدرته اللامتناهيين ، أثبتت هذه الامور ، وأنّ الحق هو الله وحده ، وكل شيء غيره زائل وباطل ومحدود ومحتاج ؛ والعلي والكبير الذي يسمو على كل شيء ، ويجلّ عن كل وصف ، هو ذاته المقدسة.
(أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَةِ اللهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آيَاتِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (٣١) وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ) (٣٢)
يدور البحث والحديث في هاتين الآيتين أيضاً عن نعم الله سبحانه ، وأدلّة التوحيد في الآفاق والأنفس ، فالحديث في الآية الاولى عن دليل النظام ، وفي الآية الثانية عن التوحيد الفطري ، وهما في المجموع تكمّلان البحوث التي وردت في الآيات السابقة. تقول الآية الاولى : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِى فِى الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللهِ لِيُرِيَكُم مِّنْءَايتِهِ إِنَّ فِى ذلِكَ لَأَيَاتٍ لِكُلّ صَبَّارٍ شَكُورٍ).
لا شك أنّ حركة السفن على سطح المحيطات تتمّ بمجموعة من قوانين الخلقة.
وبعد بيان نعمة حركة السفن في البحار ، والتي كانت ولا تزال أكبر وأنفع وسائل حمل ونقل البضائع والبشر ، أشارت هذه الآية إلى صورة اخرى لهذه المسألة ، فقالت : (وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدّينَ). «الظلل» : جمع ظُلّة بمعنى سحابة تظلّ.
أي إنّ أمواج البحر العظيمة تهيج فتحيط بهم كأنّ سحاباً قد أظلّهم بظل مرعب مهول.
هنا يجد الإنسان نفسه ضعيفاً وعاجزاً رغم كل تلك القوى والإمكانيات الظاهرية التي أعدّها لنفسه.
هنا يحيط التوحيد الخالص بكل قلبه ويغمره ، ويعتقد بأنّ الدين والعبادة مختصة به سبحانه.
ثم تضيف الآية إنّ الله سبحانه لما نجّاهم من الهلكة إنقسم الناس قسمين : (فَلَمَّا نَجهُمْ إِلَى الْبَرّ فَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ).