«مقتصد» : من مادة «قصد» بمعنى الإعتدال في العمل ، والوفاء بالعهد.
وهؤلاء وفوا بعهدهم ولم ينقضوه ، ولم ينسوا منّة الله عليهم في تلك اللحظات الحساسة.
وتضيف الآية في النهاية : (وَمَا يَجْحَدُ بَايَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ).
«ختّار» : من «الختر» بمعنى نقض العهد ، وهذه الكلمة صيغة مبالغة ، لأنّ المشركين والعاصين يتوجّهون إلى الله مراراً ، ويقطعون على أنفسهم العهود ، وينذرون النذور ، إلّاأنّهم بمجرّد أن يهدأ طوفان الحوادث ينقضون عهودهم بصورة متلاحقة ، ويكفرون بنعم الله عليهم.
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ (٣٣) إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَا ذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (٣٤)
في هاتين الآيتين اللتين هما آخر آيات سورة لقمان ، تلخيص للمواعظ والنصائح السابقة ولأدلة التوحيد والمعاد ، وتوجيه الناس إلى الله واليوم الآخر وتحذير من الغرور الناشيء من الدنيا والشيطان ، ثم الحديث عن سعة علم الله سبحانه وشموله لكل شيء ، فتقول : (يَا أَيُّهَا الْنَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَايَجْزِى وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيًا).
إنّ الدستور الأوّل هو التوجه إلى المعاد ، فالدستور الأوّل يحيي في الإنسان قوة المراقبة ، والثاني ينمّي روح الثواب والعقاب ، ولا شك أنّ الإنسان الذي يعلم أنّ شخصاً خبيراً ومطّلعاً على كل أعماله يراه ويعلم به ويسجّل كل أعماله ، ومن ناحية اخرى يعلم أنّ محكمة عادلة ستتشكّل للتحقيق في كل جزئيات أعماله ، لا يمكن أن يتلوّث بأدنى فساد ومعصية.
جملة (لَايَجْزِى) من مادة الجزاء ، و «الجزاء» ورد بمعنيين من الناحية اللغوية :
أحدهما : المكافأة والمعاقبة مقابل شيء ، كما يقال : جزّاه الله خيراً.
والآخر : الكفاية والنيابة والتحمل للشيء عن الآخرين ، كما جاء في الآية مورد البحث : (لَا يَجْزِى وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ).