اسم «أيّوب» أو قصّته وردت في عدّة سور من سور القرآن المجيد ، منها الآية (١٦٣) في سورة النساء ، والآية (٨٤) في سورة الأنعام ، التي ذكرت إسمه في قائمة أنبياء الله الآخرين ، وبيّنت وأثبتت مقام نبوّته ، بخلاف كتاب التوراة الحالي الذي لم يعتبره من الأنبياء ، وإنّما اعتبره أحد عباد الله المحسنين والأثرياء وذا عيال كثيرين.
كما أنّ الآيات (٨٣ و ٨٤) في سورة الأنبياء إستعرضت بصورة مختصرة جوانب من حياة أيّوب عليهالسلام. أمّا آيات بحثنا هذه فإنّها تستعرض حياته بصورة مفصلة أكثر من أيّ سورة اخرى من خلال أربعة آيات :
فالاولى تقول : (وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنّى مَسَّنِىَ الشَّيْطنُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ).
هذه الآية تبيّن أوّلاً علوّ مقام أيّوب عند الباريء عزوجل ، وذلك من خلال كلمة «عبدنا» ، وثانياً فإنّها تشير بصورة خفيّة إلى الإبتلاءات الشديدة التي لا تطاق ، وإلى الألم والعذاب الذي مسّ أيّوب عليهالسلام.
ففي تفسير علي بن إبراهيم نقرأ أنّ أبا بصير سأل الإمام الصادق عليهالسلام عن بليّة أيّوب التي ابتلي بها في الدنيا لأيّ علة كانت؟ قال : «لنعمة» أنعم الله عليه بها في الدنيا وأدّى شكرها ، وكان في ذلك الزمان لا يحجب إبليس من دون العرش فلمّا صعد ورأى شكر نعمة أيّوب حسده إبليس وقال : يا ربّ ، إنّ أيّوب لم يؤدّ إليك شكر هذه النعمة إلّابما أعطيته من الدنيا ، ولو حرمته دنياه ما أدّى إليك شكر نعمة أبداً ، فسلّطني على دنياه حتى تعلم أنّه لم يؤدّ إليك شكر نعمة أبداً.
(ولكي يوضّح الباريء عزوجل إخلاص أيّوب للجميع ، ويجعله نموذجاً حيّاً للعالمين حتى يشكروه حين النعمة ويصبروا حين البلاء ، سمح الباريء عزوجل للشيطان في أن يتسلّط على دنيا أيّوب).
«فقيل له : قد سلّطتك على ماله وولده. قال : فانحدر إبليس فلم يبق له مالاً ولا ولداً إلّا أعطبه [أي أهلكه] فازداد أيّوب شكراً لله وحمداً. قال : فسلّطني على زرعه ، قال : قد فعلت فجاء مع شياطينه فنفخ فيه فاحترق فازداد أيوب لله شكراً وحمداً. فقال : يا ربّ! سلّطني على غنمه ، فسلّطه على غنمه فأهلكها فإزداد أيوب لله شكراً وحمداً ، وقال : يا ربّ سلّطني على بدنه ، فسلّطه على بدنه ما خلا عقله وعينه ، فنفخ فيه إبليس فصار قرحة واحدة من قرنه إلى قدمه ، فبقي في ذلك دهراً طويلاً يحمد الله ويشكره ...».
(ولكن وقعت حادثة كسرت قلبه وجرحت روحه جرحاً عميقاً ، وذلك عندما زارته مجموعة من رهبان بني إسرائيل).