«... قالوا : يا أيّوب لو أخبرتنا بذنبك لعل الله كان يهلكنا إذا سألناه؟ وما نرى إبتلاك بهذا البلاء الذي لم يبتل به أحد إلّامن أمر كنت تستره؟ فقال أيوب : وعزّة ربّي أنّه ليعلم أنّي ما أكلت طعاماً إلّاويتيم أو ضيف يأكل معي وما عرض لي أمران كلاهما طاعة لله إلّاأخذت بأشدهما على بدني».
حقّاً إنّ شماتة أصحابه كانت أكثر ألماً عليه من أيّة مصيبة اخرى حلّت به ، ورغم هذا لم يفقد أيّوب صبره ، وإنّما توجّه إلى الباريء عزوجل وذكر العبارة التي ذكرناها آنفاً ، أي قوله تعالى : (أَنّى مَسَّنِىَ الشَّيْطنُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ). ولكونه خرج من الإمتحان الإلهي بنتيجة جيّدة ، فتح الباريء عزوجل ـ مرّة اخرى ـ أبواب رحمته على عبده الصابر المتحمل أيوب ، وأعاد عليه النعم التي إفتقدها الواحدة تلو الاخرى ، لا بل أكثر مما كان يمتلك من المال والزرع والغنم والأولاد ، وذلك كي يفهم الجميع العاقبة الحسنة للصبر والتحمل والشكر.
في النهاية خرج أيّوب عليهالسلام سالماً من بودقة الامتحان الإلهي ، ونزول الرحمة الإلهية عليه يبدأ من هنا ، إذ صدر إليه الأمر : (ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ).
«اركض» : مشتقة من «ركض» على وزن (فقر) وتعني دكّ الأرض بالرجل ، وأحياناً تأتي بمعنى الركض ، وهنا تعطي المعنى الأوّل.
عين باردة لأيوب ليشرب منها ويغتسل بمائها للشفاء من كافّة الأمراض التي أصابته (الظاهرية والباطنية).
فإنّ وصف ذلك الماء بالبارد ، قد يكون إشارة إلى التأثيرات الخاصة التي يتركها الماء البارد على سلامة الجسم ، وذلك ما أثبته الطب الحديث اليوم.
النعمة المهمة الاولى التي اعيدت على أيوب هي العافية والشفاء والسلامة ، أمّا بقية النعم التي اعيدت عليه ، فاستعرضها القرآن المجيد : (وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مّنَّا وَذِكْرَى لِأُولِى الْأَلْبَابِ).
المشكلة الوحيدة التي بقيت لأيوب عليهالسلام هي قسمه بضرب زوجته ، إذ كان قد أقسم أيام مرضه لئن برىء من مرضه ليجلدنّ امرأته مائة جلدة أو أقل لأمر أنكره عليها ، ولكن بعدما برىء من مرضه رغب أيوب في العفو عنها إحتراماً وتقديراً لوفائها ولخدماتها التي قدّمتها إليه أيام مرضه ، ولكن مسألة القسم بالله كانت تحول دون ذلك.