وهنا شمل الباريء عزوجل أيوب عليهالسلام مرّة اخرى بألطافه ورحمته ، وذلك عندما أوجد حلّاً لهذه المشكلة المستعصية على أيوب : (وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِّهِ وَلَا تَحْنَثْ).
«ضغث» : تعني ملء الكفّ من الأعواد الرقيقة ، كسيقان الحنطة والشعير أو الورد وما شابهها.
الآية الأخيرة في بحثنا هذا ـ التي هي بمثابة عصارة القصة من أوّلها حتى آخرها ـ تقول : (إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نّعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ).
في هذه الآية أنّها أعطت ثلاثة أوصاف لأيّوب ، كل واحد منها إن توفّر في أي إنسان فهو إنسان كامل.
أوّلاً : مقام عبوديته.
ثانياً : صبره وتحمله وثباته.
ثالثاً : إنابته المتكررة إلى الله.
الفرج بعد الشدة نقطة اخرى تكمن في مجريات هذه القصة ، فعندما تشتدّ أمواج الحوادث والبلاء على الإنسان وتحيط به من كل جانب ، عليه أن لا ييأس ويفقد الأمل ، وإنّما عليه أن يدرك أنّها بداية تفتح أبواب الرحمة الإلهية عليه ، كما يقول علي بن أبي طالب عليهالسلام في نهج البلاغة : «عند تناهي الشدة تكون الفرجة ، وعند تضايق حلق البلاء يكون الرخاء».
(وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ (٤٥) إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ (٤٦) وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ (٤٧) وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيَارِ) (٤٨)
الأنبياء الستّة : متابعة للآيات السابقة تستعرض آيات بحثنا هذا أسماء ستّة من أنبياء الله ، وتوضّح بصورة مختصرة بعض صفاتهم البارزة التي يمكن أن تكون انموذجاً حيّاً لكل بني الإنسان. ففي البداية تخاطب رسول الله صلىاللهعليهوآله : (وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرهِيمَ وَإِسْحقَ وَيَعْقُوبَ).
فالعبودية لله تعني التبعية المطلقة له ، وتعني الاستسلام الكامل لإرادته ، والإستعداد لتنفيذ أوامره في كل الأحوال.