العبودية لله تعني عدم الاحتياج لغيره ، وعدم التوجه لسواه ، والتفكير بلطفه ورحمته فقط ، هذا هو أوج تكامل الإنسان وأفضل شرف له.
ثم تضيف الآية : (أُولِى الْأَيْدِى وَالْأَبْصَارِ).
وقد وصف الباريء عزوجل أنبياءه بأنّهم ذوو إدراك وتشخيص وبصيرة قويّة ، وذوو قوّة وقدرة كافية لإنجاز أعمالهم.
إنّهم قدوة لكل السائرين في طريق الحق ، فبعد مقام العبودية الكامل لله تعالى ، تسلّحوا بهذين السلاحين القاطعين.
وعلى هذا أنّه ليس المراد من اليد والعين أعضاء الحس التي يمتلكها غالبية الناس ، وإنّما هي كناية عن صفتين هما (العلم والقدرة).
أمّا الصفة الرابعة لهم فيقول القرآن بشأنها : (إِنَّا أَخْلَصْنَاهُم بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ).
إنّهم يتطلّعون إلى عالم آخر ، وافق نظرهم لا ينتهي عند الحياة الدنيا ولذاتها المحدودة ، بل يتطلّعون إلى ما وراءها من حياة أبدية ونعيم دائم ، ولهذا يبذلون الجهد ويسعون غاية السعي لنيلها.
الصفتان الخامسة والسادسة جاءتا في الآية التالية : (وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ).
إنّ إيمانهم وعملهم الصالح كانا السبب في إصطفاء الباريء عزوجل لهم من بين الناس لأداء مهام النبوّة وحمل الرسالة.
وبعد أن أشارت الآية السابقة إلى مقام ثلاثة أنبياء بارزين ، تشير الآية التالية ، إلى ثلاثة آخرين ، إذ تقول : (وَاذْكُرْ إِسْمعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الْأَخْيَارِ).
فكل واحد منهم كان مثالاً واسوة في الصبر والإستقامة وطاعة أوامر الباريء عزوجل ، خاصة «إسماعيل» الذي كان على إستعداد كامل للتضحية بروحه في سبيل الله ، ولهذا السبب اطلق عليه لقب (ذبيح الله).
وإستعراض آيات القرآن الكريم لحياة اولئك العظام ليستلهم منها رسول الله صلىاللهعليهوآله وكل المسلمين العبر ، وتبعث فيه روح التقوى والتضحية والإيثار ، وتجعله في نفس الوقت صابراً صامداً أمام المشاكل والحوادث الصعبة.
الآية (٨٦) من سورة الأنعام بيّنت أنّ (اليسع) من ذرية إبراهيم ، وأنّه من الأنبياء الكبار ؛