الولي والشفيع والمعبود.
وتشير الآية الأخيرة من الآيات مورد البحث إلى توحيد الله سبحانه في البداية ، ثم إلى مسألة «المعاد» ، وبهذا تكمل هنا فروع وأركان التوحيد الثلاثة التي اتّضحت في الآيات السابقة ـ (توحيد الخالقية والحاكمية والعبودية) ـ بذكر توحيد الربوبية ، أي تدبير عالم الوجود من قبل الله سبحانه فقط ، فتقول : إنّ الله يدبّر امور العالم من مقام القرب منه إلى الأرض : (يُدَبّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ).
ثم تضيف : (ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِى يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ وأَلْفَ سَنَةٍ مّمَّا تَعُدُّونَ).
والمراد من هذا اليوم يوم القيامة.
والمراد من الآية هو أنّ الله سبحانه خلق هذا العالم ، ونظّم ودبّر السماء والأرض بتدبير خاصّ ، إلّاأنّه يطوى هذا التدبير في نهاية العالم ، وبعد طيّ هذا العالم سيبدأ إبداع برنامج ومشروع عالمي جديد أوسع ، أي سيبدأ عالم آخر بعد إنتهاء هذه الدنيا.
(ذلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (٦) الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ (٧) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (٨) ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ) (٩)
مراحل خلق الإنسان العجيبة : إنّ الآيات ـ مورد البحث ـ إشارة وتأكيد في البداية على بحوث التوحيد التي مرّت في الآيات السابقة ، والتي كانت تتلخص في أربع مراحل : توحيد الخالقية ، والحاكمية ، والولاية ، والربوبية ، فتقول : (ذلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ).
ثم تشير الآية التالية إلى نظام الخلقة الأحسن والأكمل بصورة عامة ، ومقدمة لبيان خلق الإنسان ومراحل تكامله بشكل خاص : (الَّذِى أَحْسَنَ كُلَّ شَىْءٍ خَلَقَهُ). وأعطى كل شيء ما يحتاجه. وبتعبير آخر : فإنّ تشييد صرح الخلقة العظيم قد قام على أساس النظام الأحسن ، أي قام على نظام دقيق سالم لا يمكن تخيّل نظام أكمل منه.
بعد هذه المقدّمة الآفاقية يدخل القرآن بحث الأنفس ، وكما تحدّث في بحث الآيات