إنّ من المناسب أن تسمّى «روح الله» قد دبّت في الإنسان ونفخت فيه.
(وَقَالُوا أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ (١٠) قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (١١) وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ (١٢) وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (١٣) فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (١٤)
الندم وطلب الرجوع : تبدأ هذه الآيات ببحث واضح جلي حول المعاد ، ثم تبيّن وتبحث حال المجرمين في العالم الآخر ، وهي في المجموع تتمة للبحوث السابقة التي تحدثت حول المبدأ ، إذ إنّ البحث عن المبدأ والمعاد مقترنان غالباً في القرآن المجيد فتقول : إنّ هؤلاء الكفار يتساءلون باستغراب بأنّنا إذا متنا وتحوّلت أبداننا إلى تراب واندثرت تماماً فهل سوف نُخلق من جديد : (وَقَالُوا أَءِذَا ضَلَلْنَا فِى الْأَرْضِ أَءِنَّا لَفِى خَلْقٍ جَدِيدٍ).
إنّ التعبير ب (ضَلَلْنَا فِى الْأَرْضِ) إشارة إلى أنّ الإنسان يصبح تراباً بعد موته كسائر الأتربة ويتفرّق هذا التراب نتيجة العوامل الطبيعية وغير الطبيعية ، ولا يبقى منه شيء حتى يعيده الله سبحانه في القيامة مرّة اخرى.
إلّا أنّ هؤلاء ليسوا بمنكرين قدرة الله (بَلْ هُم بِلِقَاءِ رَبّهِمْ كَافِرُونَ) فإنّهم ينكرون مرحلة لقاء الله والحساب والثواب والعقاب لتبرير حرية العمل وليعملوا ما يريدون.
وهذه الآية تشبه كثيراً الآيات (٣ ـ ٦) من سورة القيامة التي تقول : (أَيَحْسَبُ الْإِنسنُ أَلَّن نَّجْمَعَ عِظَامَهُ * بَلَى قدِرِينَ عَلَى أَن نُّسَوّىَ بَنَانَهُ * بَلْ يُرِيدُ الْإِنسنُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ * يَسْئَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيمَةِ).
بناء على هذا ، فإنّ هؤلاء ليسوا قاصرين من ناحية الاستدلال ، ولكن شهواتهم حجبت قلوبهم ، ونيّاتهم السيئة منعتهم من قبول مسألة المعاد.
وتجيب الآية هؤلاء عن طريق آخر ، فتقول : لا تتصوّروا أنّ شخصيتكم بأبدانكم وأجسامكم ، بل بأرواحكم ، وهي باقية ومحفوظة : (قُلْ يَتَوَفكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِى وُكّلَ بِكُمْ