والإنكار تاريخ طويل في حياة النبوّات : (وَلَقَدْءَاتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ).
وإذ ترى أنّنا لا نعجل في عقاب هؤلاء الأعداء المعاندين ، فذلك لأنّ المصلحة تقتضي أن يكونوا أحراراً حتى تتمّ الحجة عليهم : (وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبّكَ لَقُضِىَ بَيْنَهُمْ). أي لكان العقاب قد شملهم بسرعة.
إنّ التأجيل الإلهي إنّما يتم هنا لمصلحة الناس ومن أجل المزيد من فرص الهداية والنور ، وبغية إتمام الحجة عليهم ، وهذه السنّة كانت نافذة في جميع الأقوام السابقة ، وهي تجري في قومك أيضاً.
لكنّهم لم يصدّقوا بهذه الحقيقة بعد : (وَإِنَّهُمْ لَفِى شَكّ مّنْهُ مُرِيبٍ).
«مريب» : من «ريب» بمعنى الشك الممزوج بسوء الظن والقلق ، لذلك فمعنى الآية : إنّ المشركين لا يشكّون في كلامك وحسب ، بل يزعمون وجود القرائن على بطلانه والتي تؤدّي بزعمهم إلى الريب.
في الآية الأخيرة ـ من المجموعة ـ نقف أمام قانون عام يرتبط بأعمال الناس ، وقد أكّده القرآن مراراً ، وهذا القانون يكمل البحث السابق بشأن استفادة المؤمنين من القرآن ، بينما يحرم غير المؤمنين أنفسهم من فيض النور الإلهي والهدى الرباني. يقول تعالى في هذا القانون : (مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلمٍ لّلْعَبِيدِ).
لذا فإنّ من لم يؤمن بهذا الكتاب والدين العظيم فسوف لن يضروا الله تعالى ولا يضروك ، لأنّ الحسنات والسيئات تعود إلى أصحابها ، وهم الذين سينالون حلاوة أعمالهم ومرارتها.
كلمة «ظلّام» والتي هي صيغة مبالغة بمعنى «كثير الظلم» ، يمكن أن تشير ـ هنا وفي آيات قرآنية اخرى ـ إلى أنّ العقاب دون سبب من قبل الخالق العظيم يعتبر مصداقاً للظلم الكثير ، لأنّه تعالى منزّه عن هذا الفعل.
وذهب بعضهم إلى أنّ الله تعالى له عباد كثيرون ، فلو أراد أن يظلم كل واحد منهم بجزء يسير قليل ، عندها سيكون مصداقاً ل «ظلّام».
(إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ وَمَا تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَاتٍ مِنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَائِي قَالُوا آذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ (٤٧) وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَدْعُونَ مِنْ قَبْلُ وَظَنُّوا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ) (٤٨)