منه ، لأنّ له تعالى خزائن السماوات والأرض وليس «مفاتيحها» وحسب (وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّموَاتِ وَالْأَرْضِ) (١).
«مقاليد» : جمع «مقليد» وتعني المفتاح ، وهي تستخدم ككناية للسيطرة الكاملة على كل شيء.
وفي الصفة الاخرى ، والتي هي في الواقع ثمرة ونتيجة للصفة السابقة تقول الآية : (يَبْسُطُ الرّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ).
لأنّ بيده تعالى جميع خزائن السماوات والأرض ، فإنّ جميع الأرزاق في قبضته ، ويقسّمها وفقاً لمشيئته التي تصدر بمقتضى حكمته ، ويلاحظ فيها مصلحة العباد.
إنّ من مقتضيات استفادة جميع الكائنات من رزقه تعالى هو العلم بمقدار حاجتها ، ومكانها وسائر شؤون حياتها الاخرى ، لذا تضيف الآية في آخر صفة قوله تعالى : (إِنَّهُ بِكُلّ شَىْءٍ عَلِيمٌ).
وبذلك يتّضح أنّ الآيات الأربع التي بحثناها ذكرت إحدى عشرة صفة من صفات الله الكمالية سواء الذاتية منها أم الفعلية.
(شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (١٣) وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَلَوْ لَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ) (١٤)
الإسلام عصارة شرائع جميع الأنبياء : بما أنّ العديد من بحوث هذه السورة تتعلّق بالمشركين ، وأنّ الآيات السابقة كانت تتحدث عن نفس هذا الموضوع أيضاً ، لذا فإنّ الآيات التي نبحثها تبيّن هذه الحقيقة ، وهي أنّ دعوة الإسلام إلى التوحيد ليست دعوة جديدة. تقول الآية : (شَرَعَ لَكُم مّنَ الدّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا). والذي هو أوّل نبيّ من أولي العزم.
__________________
(١) سورة المنافقون / ٧.