ثم يشير القرآن إلى أحد أدلة التوحيد وقدرة الخالق ، وفي نفس الوقت يتضمّن إثبات النبوّة حيال المتحاججين ذوي المنطق الواهي ، حيث تقول الآية : (اللهُ الَّذِى أَنزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقّ وَالْمِيزَانَ).
«الحق» كلمة جامعة تشمل المعارف والعقائد الحقة ، والأخبار الصحيحة والبرامج المتطابقة مع الحاجة الفطرية والاجتماعية ، وما شابه ذلك.
وأمّا «الميزان» فله معنى عام في مثل هذه الموارد ، بالرغم من أنّ معناه اللغوي هو وسيلة لقياس الوزن ، إلّاأنّه في معناه الكنائي يطلق على أيّ معيار للقياس الصحيح ، وحتى شخص الرسول صلىاللهعليهوآله والأئمة عليهمالسلام ، حيث أنّ وجودهم معيار لتشخيص الحق من الباطل وميزان يوم القيامة ، والميزان في القيامة يراد به هذا المعنى.
بناءً على هذا فإنّ الخالق أنزل كتاباً على نبي الخاتم صلىاللهعليهوآله بحيث يعتبر هو الحق ، والميزان للتقييم.
وبما أنّ نتيجة كل هذه الامور ، خاصة ظهور الحق بشكل كامل وتحقق العدالة وإقامة الميزان تتّضح في يوم القيامة ، لذا فإنّ الآية تقول في نهايتها : (وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ).
ثم يشير القرآن إلى موقف الكفار والمؤمنين حيال القيامة ، فتقول الآية : (يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَايُؤْمِنُونَ بِهَا).
فهؤلاء لا يقولون ذلك بسبب عشقهم للقيامة والوصول إلى لقاء المحبوب ، أبداً ، إنّ كلامهم هذا من قبيل الاستهزاء والإنكار.
(وَالَّذِينَءَامَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ).
ومن هنا يتّضح مدى التأثير التربوي العميق للإيمان بالقيامة ومحكمة العدل الإلهي الكبيرة على المؤمنين خاصة وفي احتمالهم حصول هذا الأمر في أيّة لحظة من اللحظات.
وكإعلان عام ، تقول الآية في نهايتها : (أَلَا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِى السَّاعَةِ لَفِى ضَللٍ بَعِيدٍ). لأنّ نظام هذا العالم يعتبر ـ بحدّ ذاته ـ دليلاً على أنّه مقدمة لعالم آخر وبدونه سيكون خلق هذا العالم عبثاً وليس له أيّ معنى ، وهذا لا يتناسب مع حكمة الخالق ولا مع عدالته.
(اللهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (١٩) مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ) (٢٠)