بما أنّ الآيات السابقة كانت تتحدث عن العذاب الإلهي الشديد وعن طلب منكري المعاد للتعجيل بقيام القيامة ، لذا فإنّ أوّل آية نبحثها هنا تقرن «الغضب» الالهي مع اللطف» الالهي في معرض ردّها على استعجال منكري المعاد : (اللهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ).
ثم تطرح الآية أحد مظاهر لطفه العام وهو الرزق ، فتقول : (يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ). وهذا لا يعني أنّ هناك جماعة محرومون من رزقه ، بل المقصود البسط في الرزق لمن يشاء.
ونقرأ في الآية (٢٧) من هذه السورة : (وَلَوْ بَسَطَ اللهُ الرّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِى الْأَرْضِ).
وواضح أنّ (الرزق) هنا يشمل الرزق المعنوي والمادي ، الجسماني والروحاني.
وتقول الآية في نهايتها : (وَهُوَ الْقَوِىُّ الْعَزِيزُ).
وعندما يعدالله تعالى عباده بالرزق واللطف فهو قادر على إنجاز هذا الأمر ، ولهذا السبب لا يوجد أيّ تخلّف في وعوده أبداً.
الآية التي بعدها شبّهت أفراد العالم حيال رزق الخالق وكيفية الاستفادة منه بالمزارعين الذين يقوم قسم منهم بالزراعة للآخرة والقسم الآخر للدنيا ، وتحدد عاقبة كل قسم منهم وفق تشبيه لطيف حيث تقول : (مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْأَخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِى حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِى الْأَخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ).
وعلى هذا الأساس فلا طلّاب الدنيا يصلون إلى ما يريدون ، ولا طلّاب الآخرة يحرمون من الدنيا.
(أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ وَلَوْ لَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (٢١) تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (٢٢) ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً إِنَّ اللهَ غَفُورٌ شَكُورٌ) (٢٣)
سبب النّزول
في تفسير مجمع البيان : ورد في سبب نزول الآيات (٢٣ ـ ٢٦) من هذه السورة ، أنّه ذكر