الآية عبّرت عن ذلك بالسيئة فبسبب العقاب أليم ومؤذٍ ، والألم والأذى بحدّ ذاته (سيء) بالرغم من أنّ قصاص الظالم ومعاقبته يعتبر عملاً حسناً بحد ذاته.
إنّ هذه العبارة يمكن أن تكون مقدمة للعفو الوارد في الجملة التي بعدها ، وكأنّما تريد الآية القول : إنّ العقاب مهما كان فهو نوع من الأذى ، وإذا ندم الشخص عندها يستحق العفو.
لذا ففي مثل هذه الموارد ينبغي عليكم العفو ، لأنّ (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ).
وتقول الآية في نهايتها : (إِنَّهُ لَايُحِبُّ الظَّالِمِينَ).
فإنّ كلّاً من العفو والعقاب له موقعه الخاص ، فالعفو يكون عندما يستطيع الإنسان الإنتقام ، وهذا يسمى العفو البنّاء.
والعقاب والإنتقام والردّ بالمثل يكون عندما يبقى الظالم مستمراً في غيّه وضلاله ، والمظلوم لم يثبّت أركان سيطرته بعد ، فالعفو هنا يكون من موقع الضعف فيجب الردّ بالمثل.
(وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (٤١) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (٤٢) وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) (٤٣)
الظلم والإنتصار : تعتبر هذه الآيات تأكيداً وتوضيحاً وتكميلاً للآيات السابقة بشأن الإنتصار ومعاقبة الظالم والعفو في المكان المناسب. فأوّلاً تقول الآية : (وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِّن سَبِيلٍ).
لأنّ الإنتصار وطلب العون من الحقوق الطبيعية لأيّ مظلوم ، ونصر المظلومين مسؤولية كل إنسان حر ومتيقظ الضمير.
(إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِى الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقّ). وإضافة إلى عقابهم الدنيوي : (أُولئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) ينتظرهم في الآخرة.
«بغى» : تعني في الأصل الجد والمثابرة والمحاولة للحصول على شيء ما ، ولكن كثيراً ما تطلق على المحاولات لغصب حقوق الآخرين ، والتجاوز عن حدود وحقوق الخالق ، لذا فإنّ للظلم مفهوماً خاصاً وللبغي مفهوماً عاماً يشمل أيّ تعدٍ أو تجاوز للحقوق الإلهية.