أمّا آخر آية فتشير مرّة اخرى إلى الصبر والعفو ، لكي تؤكّد أنّ الإنتقام والعقاب والقصاص من الظالم لا يمنع المظلوم من العفو ، حيث تقول : (وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ).
عبارة (عزم الامور) إشارة إلى أنّ هذا العمل من الأعمال التي أمر الله بها ولا يمكن أن تنسخ ، أو أنّه من الأعمال التي يجب أن يشد الإنسان العزم لها.
(وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ (٤٤) وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ (٤٥) وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِيَاءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ سَبِيلٍ) (٤٦)
هل من سبيل للرجعة : الآيات السابقة كانت تتحدث عن الظالمين ، أمّا الآيات التي نبحثها فتشير إلى عاقبة هذه المجموعة وجوانب من عقابها.
فهي تعتبرهم من الضالين الذين لا يملكون أيّ وليّ ، فتقول : (وَمَن يُضْلِلِ اللهُ فَمَا لَهُ مِن وَلِىّ مّن بَعْدِهِ).
إنّه لا الهداية ولا الضلالة مفروضة وجبرية ، إنّما هما نتيجتان مباشرتان لأعمال الناس. فأحياناً يقوم الإنسان بعمل معيّن وبسببه يسلب الخالق منه التوفيق ويطمس على قلبه ويمنع عنه نور الهداية ويتركه سابحاً في الظلمات.
ثم تضيف الآية : (وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلَى مَرَدّ مّن سَبِيلٍ).
ولكن مهما كانت هذه الطلبات فإنّها ستواجه بالرفض ، لأنّ العودة غير ممكنة أبداً.
الآية الاخرى تذكر ثالث عقاب لهذه المجموعة حيث تقول : (وَتَرَيهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلّ يَنظُرُونَ مِن طَرْفٍ خَفِىّ).
هذه صورة لحالة شخص يخشى من شيء أشدّ خشية ولا يريد أن ينظر إليه بعينين مفتوحتين ، وفي نفس الوقت لا يستطيع أن يتغافل عنه ، لذا فهو مجبور على النظر إليه ، لكن