عبارة (من الله) تشير إلى أنّ أحداً لا يستطيع أن يتخذ قراراً بالعودة قبال أمر الخالق جلّ وعلا.
الآية التي بعدها تخاطب الرسول صلىاللهعليهوآله وتواسيه قائلة : (فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا). فلا تحزن عليهم لأنّك لست مسؤولاً عن حفظهم من الانحراف.
(إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلغُ) سواء قبلوا بذلك أم لم يقبلوا.
ثم ترسم صورة لحال هذه الجماعة غير المؤمنة والمعرضة عن الحق فتقول : (وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا). ويغفل عن ذكر الخالق : (وَإِن تُصِبْهُمْ سَيّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنسَانَ كَفُورٌ).
فلا النعم الإلهية وشكر المنعم توقظ هذا الإنسان وتجرّه نحو الشكر والمعرفة والطاعة ، ولا العقوبات التي تصيبه بسبب الذنوب توقظه من نوم الغفلة ، ولا دعوة الرسول تؤثر فيه.
فعوامل الهداية من حيث «التشريع» هي دعوة رسل الخالق ، ومن حيث «التكوين» قد تكون النعم وقد تكون المصائب ، إلّاأنّ هؤلاء الجهلة ذوي القلوب الميتة لا تؤثّر فيهم أيّ من هذه العوامل.
ثم لبيان حقيقة أنّ أيّ نعمة ورحمة في هذا العالم مصدرها الخالق ، ولا يملك الأفراد شيئاً من عندهم ، أشارت الآية إلى قضية عامة ومصداق واضح لهذه الحقيقة ، حيث تقول : (لِّلَّهِ مُلْكُ السَّموَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ).
و «نموذج» واضح لهذه الحقيقة وأنّ كل ما موجود هو منه ، والأفراد لا يملكون شيئاً من عندهم هو أنّه : (يَهَبُ لِمَن يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيمًا).
وبهذا الترتيب فإنّ الناس يُقسّمون إلى أربع مجاميع : من عنده الأولاد الذكور ويريد البنات ، ومن عنده البنات ويريد الذكور ، ومن عنده الذكور والإناث ، والمجموعة التي تفتقد الأبناء ويأملون ويرغبون فيهم.
«عقيم» : مأخوذة من «عقم» تعني في الأصل الجفاف والتصلب المانع من قبول التأثير ، والنساء العقيمات تطلق على اللواتي تكون أرحامهنّ غير مستعدة لتقبّل النطفة ونمو الطفل. و «اليوم العقيم» يطلق على اليوم الذي ليس فيه سرور وفرح ، كما يسمى يوم القيامة باليوم العقيم بسبب عدم وجود يوم بعد ذلك اليوم يمكن فيه التعويض عن الماضي.