ثم تضيف : (تُحْبَرُونَ).
«تحبرون» : من مادة «حِبْر» أي الأثر المطلوب ، وتطلق أحياناً على الزينة وآثار الفرح التي تظهر على الوجه.
وتقول في بيان النعمة الثالثة : (يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ). فهم يضافون ويخدمون بأفضل الأواني ، وألذّ الأطعمة ، في منتهى الهدوء والإطمئنان والصفاء.
«الصحاف» : جمع «صحفة» ، وهي في الأصل من مادة «صحف» ، أي التوسع ، وتعني هنا الأواني الكبيرة الواسعة والأكواب جمع كوب ، وهي أقداح الماء التي لا عروة لها.
وتشير في الرابعة والخامسة إلى نعمتين اخريين جمعت فيهما كل نعم العالم المادية والمعنوية ، فتقول : (وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ).
وعلى قول الطبرسي رحمهالله في مجمع البيان : وقد جمع الله سبحانه بقوله (مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ) ما لو اجتمع الخلائق كلهم على أن يصفوا ما في الجنة من أنواع النعيم ، لم يزيدوا على ما انتظمته هاتان الصفتان.
ولما كانت قيمة النعمة في كونها خالدة ، فقد طمأنت الآية أصحاب النعيم من هذه الجهة عندما ذكرت الصفة السادسة فقالت : (وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ). لئلّا يكدر التفكير في زوال هذه النعمة صفو عيشهم ولذّتهم ، فيقلقوا من المستقبل وما يخبئه.
وهنا ، من أجل أن يتّضح أنّ كل نعم الجنة هذه تعطى جزاءً لا اعتباطاً وعبثاً ، تضيف الآية : (وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِى أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ).
أي أنّ أعمالكم هي أساس خلاصكم ونجاتكم ، إلّاأنّ ما تحصلون عليه إذا ما قورن بأعمالكم فهو كالشيء المجاني المعطى من قبل الله تعالى ، وكالهبة حصلتم عليها بفضله.
والكلام في النعمة السابعة والأخيرة في ثمار الجنة التي هي من أفضل نعم الله ، فتقول الآية : (لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مّنْهَا تَأْكُلُونَ).
وجاء في الحديث : «لا ينزع رجل في الجنة ثمرة من ثمرها إلّانبت مثلاها مكانها» (١).
* * *
__________________
(١) تفسير روح البيان ٨ / ٣٩٢.