إنّ تبدل مثل هذه المودّة إلى عداوة في ذلك اليوم أمر طبيعي ، لأنّ كلاً منهم يرى صاحبه أساس تعاسته وسوء عاقبته.
أمّا المتقين تبقى روابط أخوتهم ، وأواصر مودّتهم خالدة ، لأنّها تدور حول محور القيم والمعايير الخالدة ، وتتّضح نتائجها المثمرة في عرصة القيامة أكثر ، فتمنحها قوّة إلى قوّتها.
والآية التالية تبيان لأوصاف المتقين وأحوالهم ، وبيان لعاقبتهم التي تبعث على الفخر والإعتزاز في ذلك اليوم العصيب. يقول لهم الله تعالى : (يَا عِبَادِ لَاخَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنتُمْ تَحْزَنُونَ).
كم هو جميل هذا النداء! نداء مباشر من الله سبحانه من دون واسطة توصله ... نداء يبدأ بأحسن الصفات : يا عبادي! نداء يزيل قلق الإنسان في يوم ليس فيه إلّاالقلق والاضطراب ... نداء يطهر القلب من غم الماضي وحزنه ، وينقيه ... نعم ، لهذا النداء هذه المزايا الأربعة المذكورة.
وتبيّن آخر آية ـ من هذه الآيات ـ هؤلاء المتقين والعباد المكرمين بصورة أكثر وضوحاً ، بذكر جملتين اخريين ، فتقول : (الَّذِينَءَامَنُوا بَايَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ).
(ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ (٧٠) يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (٧١) وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٧٢) لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ) (٧٣)
فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين : تبيّن هذه الآيات جزاء عباد الله المخلصين ، والمؤمنين الصالحين الذين مرّ وصفهم في الآيات السابقة ، وتبشرهم بالجنة الخالدة مع ذكر سبع نعم من نعمها النفيسة الغالية. تقول أوّلاً : (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ). وبذلك فإنّ مضيفهم الحقيقي هو الله تعالى الذي يدعو ضيوفه ويقول لهم : ادخلوا الجنة.
ثم أشارت إلى أوّل نعمة من تلك النعم ، فقالت : (أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ). ومن الواضح أنّ كون المؤمنين الرحماء إلى جانب زوجاتهم المؤمنات يمنحهما معاً اللذة والسرور ، فإذا كانا شريكين في همّ الدنيا ، فإنّهما سيكونان شريكين في سرور الآخرة ونشوتها.