عليه المصائب أحياناً ويضيق عليه الخناق يتمنّى على الله الموت ، وإذا كانت هذه الأمنية قد تحدث أحياناً لبعض الناس في الدنيا ، فإنّها تعمّ جميع المجرمين هناك ، فكلّهم يتمنى الموت. ولكن حيث لا فائدة من ذلك ، فإنّ مالك النار وخازنها يجيبهم : (قَالَ إِنَّكُمْ مَّاكِثُونَ) (١).
وتقول الآية الاخرى ، وهي تشير إلى علّة خلود هؤلاء في نار جهنم : (لَقَدْ جِئْنَاكُم بِالْحَقّ وَلكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلّحَقّ كَارِهُونَ).
وللتعبير «بالحق» معنى واسع يشمل كل الحقائق المصيرية ، وإن كانت مسألة التوحيد والمعاد والقرآن تأتي في الدرجة الاولى.
وهذا التعبير يشير إلى أنّكم لم تخالفوا الأنبياء فحسب ، وإنّما خالفتم الحق في الواقع ، وهذه المخالفة هي التي ساقتكم إلى العذاب الخالد الأبدي.
وتعكس الآية التالية جانباً من كراهية هؤلاء للحق واشمئزازهم منه ، وكذلك مناصرتهم للباطل والتمسك به ، فتقول : (أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرًا فَإِنَّا مُبْرِمُونَ).
فقد حاك هؤلاء الأشرار الدسائس ودبّروا المؤمرات لإطفاء نور الإسلام ، وقتل النبي صلىاللهعليهوآله ولم يتورعوا في إنزال الضربات بالإسلام والمسلمين ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً.
وفي المقابل أردنا أن نجازي هؤلاء في هذه الحياة الدنيا ، وفي الآخرة بأشد العذاب.
والآية الاخرى بيان لإحدى علل التآمر ، فتقول : (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَانَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَيهُم).
فإنّ الأمر ليس كذلك ، إذ نحن نسمع ورسلنا : (بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ).
«السر» : هو ما يضمره الإنسان في قلبه ، أو ما يودعه من أسراره لدى إخوانه وأصدقائه ؛ و «النجوى» : هي الهمس في الاذن.
(قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ (٨١) سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (٨٢) فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (٨٣) وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (٨٤) وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (٨٥)
__________________
(١) «ماكثون» : من مادة «مكث» ، وهو في الأصل التوقف المقترن بالإنتظار ، وربّما كان هذا التعبير من مالك استهزاءً ، كما نقول ـ أحياناً ـ لمن يطلب شيئاً لا يستحقه انتظر.