وتحدثت الآية التالية عن شكوى النبي صلىاللهعليهوآله إلى الله سبحانه من هؤلاء القوم المتعصبين الذين لا منطق لديهم ، فقالت : (وَقِيلِهِ يَا رَبّ إِنَّ هؤُلَاءِ قَوْمٌ لَّايُؤْمِنُونَ).
إنّه يقول : لقد تحدثت مع هؤلاء القوم ليلاً ونهاراً ، فأتيتهم من طريق التبشير والإنذار ، وذكرت لهم قصص الأقوام الماضين المؤلمة ، إلّاأنّ حرارة كلامي لم تؤثر في برودة قلوبهم ، فهي كالحجارة أو أشدّ قسوة ، فلم يؤمنوا.
ويأمر الله سبحانه نبيّه في آخر آية أن (فَاصْفَحْ عَنْهُمْ) ولا يكن إعراضك عنهم إعراض افتراق وغضب وأذى وجرح للمشاعر ، بل أعرض عنهم (وَقُلْ سَلمٌ) لا سلام تحيّة ومحبّة ، بل سلام وداع وافتراق.
إنّ هذا السلام يشبه ذلك السلام الذي ورد في الآية (٦٣) من سورة الفرقان : (وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا). سلام هو علامة اللامبالاة بهم ممتزجةً بالعلوّ والعزة.
ومع ذلك فإنّه تعالى يهددهم ويحذرهم بجملة عميقة المعنى ، لئلا يتصوروا أنّ الله تاركهم بعد هذا الفراق والوداع ، فيقول : (فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ).
نعم ، سوف يعلمون أي نار محرقة قد أوقدوها لأنفسهم بعنادهم ، وأي عذاب أليم قد هيأوا أسبابه ليطالهم فيما بعد؟
|
«نهاية تفسير سورة الزخرف» |
* * *