أمّا ما هو الهدف الأساس من نزوله؟ نهاية الآية أشارت إليه إذ قالت : (إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ). فإنّ سنتنا الدائمة هي إرسال الرسل لإنذار الظالمين والمشركين ، وكان إرسال نبي الخاتم صلىاللهعليهوآله بهذا الكتاب المبين آخر حلقة من هذه السلسلة المباركة المقدسة.
والآية التالية وصف وتوضيح لليلة القدر ، حيث تقول : (فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ).
التعبير ب (يفرق) إشارة إلى أنّ كل الامور والمسائل المصيرية تقدر في تلك الليلة ؛ والتعبير ب «الحكيم» بيان لاستحكام هذا التقدير ، وعدم تغيره ، وكونه حكيماً.
وهذا البيان ينسجم مع الروايات الكثيرة التي تقول : إنّ مقدرات بني آدم بأجمعهم لمدّة سنة تقدر في ليلة القدر ، وكذلك تفرق الأرزاق والآجال والامور الاخرى في تلك الليلة.
وتقول الآية الاخرى لتأكيد أنّ القرآن منزل من قبل الله تعالى : (أَمْرًا مِّنْ عِندِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ).
ولأجل تبيان العلة الأساسية لنزول القرآن وإرسال النبي صلىاللهعليهوآله وكون المقدرات في ليلة القدر ، تضيف الآية : (رَحْمَةً مّن رَّبّكَ).
نعم ، فإنّ رحمته التي لا تُحدّ توجب أن لا يترك العباد وشأنهم ، بل يجب أن ترسل إليهم التعليمات اللازمة لترشدهم في سيرهم إلى الله.
وتذكر نهاية هذه الآية ـ والآيات التالية ـ سبع صفات لله سبحانه ، وكلّها تبين توحيده ووحدانيته ، فتقول : (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).
فهو يسمع طلبات العباد ، وهو عليم بأسرار قلوبهم.
ثم تقول مبينة للصفة الثالثة : (رَبّ السَّموَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُم مُّوقِنِينَ).
لما كان كثير من المشركين يعتقدون بوجود آلهة وأرباب عديدين ، وكانوا يظنون أنّ لكل موجود من الموجودات إله ، فإنّ هذه الآية أبطلت كل هذه الأوهام بجملة : (رَبّ السَّموَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا). وأثبتت أنّ ربّ كل موجودات العالم واحد.
وتقول في الصفة الرّابعة والخامسة والسادسة : (لَاإِلهَ إِلَّا هُوَ يُحْىِ وَيُمِيتُ). فحياتكم ومماتكم بيده ، وهو سبحانه ربّكم وربّ العالمين ، وعلى هذا فلا إله سواه ، أوَ يكون من ليس له مقام الربوبية ولا أهليتها ، ولا يملك الحياة والموت ربّاً ومبعوداً؟!
وتضيف في الصفة السابعة : (وَرَبُّءَابَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ).