(بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ (٩) فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ (١٠) يَغْشَى النَّاسَ هذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (١١) رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ (١٢) أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ (١٣) ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ (١٤) إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عَائِدُونَ (١٥) يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ) (١٦)
لما كان الكلام في الآيات السابقة في أنّ هؤلاء إن كانوا طلّاب يقين ، فإنّ سبل تحصيله كثيرة ، وتضيف أوّل آية من هذه الآيات : (بَلْ هُمْ فِى شَكّ يَلْعَبُونَ) فإنّ شك هؤلاء في حقانية هذا الكتاب السماوي وفي نبوّتك ، ليس نابعاً من كون المسألة معقدة صعبة ، بل من عدم جديتهم في التعامل معها.
ثم انتقلت الآية التالية إلى تهديد هؤلاء المنكرين المعاندين المتعصبين ، في الوقت الذي وجهت الخطاب إلى النبي صلىاللهعليهوآله فقالت : (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِى السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُّبِينٍ يَغشَى النَّاسَ هذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ).
إنّ المراد من «الدخان المبين» هو ذلك الدخان الغليظ الذي سيغطي السماء في نهاية العالم ، وعلى أعتاب القيامة ، فهو علامة لحلول اللحظات الأخيرة لهذه الدنيا ، وبداية عذاب الله الأليم للظالمين والمفسدين.
عند ذلك سيعم الخوف والاضطراب كل وجودهم ، وتزول الحجب من أمام أعينهم ، فيقفون على خطئهم الكبير ، ويتجهون إلى الله تعالى بالقول : (رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ).
إلّا أنّ الله عزوجل يرفض طلب هؤلاء ويقول : (أَنَّى لَهُمُ الذّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُّبِينٌ). رسول كان واضحاً في نفسه وتعليماته وبرامجه وآياته ومعجزاته ، ومبيناً لها جميعاً.
غير أنّ هؤلاء بدل أن يذعنوا له ، ويؤمنوا بالله الواحد الأحد ، ويتقبلوا أوامره بكل وجودهم ، أعرضوا عن النبي صلىاللهعليهوآله : (ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَّجْنُونٌ).
ثم تضيف الآية التالية : (إِنَّا كَاشِفُوا الْعَذَابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عَائِدُونَ).
ويقول سبحانه في آخر آية من هذه الآيات : (يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنتَقِمُونَ).
«البطش» : هو تناول الشيء بصولة ، وهنا بمعنى الأخذ للإنتقام الشديد ، ووصف البطشة بالكبرى إشارة إلى العقوبة الشديدة التي تنتظر هذه الفئة.