(وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجَاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ (١٧) أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (١٨) وَأَنْ لَا تَعْلُوا عَلَى اللهِ إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (١٩) وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ (٢٠) وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ) (٢١)
متابعة للآيات السابقة التي كانت تتحدث حول تمرد مشركي العرب وعدم إذعانهم للحق ، تشير هذه الآيات إلى نموذج من الأمم الماضية التي سارت في نفس هذا المسير ، وابتليت أخيراً بالعذاب الأليم والهزيمة النكراء ، ليكون ذلك تسلية للمؤمنين ، وتحذيراً للمنكرين المعاندين. وذلك النموذج هو قصة موسى وفرعون ، حيث تقول الآية : (وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ).
«فتنّا» : من مادة «فتنة» ، وهي في الأصل تعني وضع الذهب في فرن النار لتخليصه من الشوائب ، ثم أطلقت على كل امتحان واختبار يجري لمعرفة نسبة خلوص البشر.
ثم تضيف الآية : (وَجَاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ).
لقد خاطبهم موسى عليهالسلام باسلوبه المؤدب جدّاً ، المليء بالود والمحبة ، فقال : (أَنْ أَدُّوا إِلَىَّ عِبَادَ اللهِ إِنّى لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ).
وطبقاً لهذا التفسير ، فإنّ (عِبَادَ اللهِ) بحكم المخاطب ، والمراد منهم الفراعنة ، وبالرغم من أنّ هذا التعبير يستعمل في آيات القرآن في شأن العباد الصالحين ، إلّاأنّه أطلق أيضاً في موارد عديدة على الكفار والمجرمين ، من أجل تحريك وجدانهم ، وجذب قلوبهم نحو الحق.
بناء على هذا ، فإنّ المراد من (أَدُّوا) إطاعة أمر الله سبحانه وتنفيذ أوامره.
ثم يقول لهم موسى عليهالسلام بعد أن دعاهم إلى طاعة الله سبحانه ، أو إطلاق سراح بني إسرائيل وتحريرهم : إنّ مهمّتي الاخرى أن أقول لكم : (وَأَن لَّاتَعْلُوا عَلَى اللهِ إِنّىءَاتِيكُم بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ) معجزاته بينة ، وأدلته منطقية واضحة.
ولما كان المستكبرون وعبيد الدنيا لا يدعون أي تهمة وافتراء ، إلّاوألصقوهما بمن يرونه مخالفاً لمنافعهم ومصالحهم اللامشروعة بل لا يتورعون حتى عن قتله وإعدامه ، لذا فإنّ موسى عليهالسلام يضيف للحد من مسلكهم هذا : (وَإِنّى عُذْتُ بِرَبّى وَرَبّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ).
وتخاطب الآية الأخيرة هؤلاء القوم فتقول : (وَإِن لَّمْ تُؤْمِنُوا لِى فَاعْتَزِلُونِ).