ثم يتطرق القرآن إلى خرافة اخرى من خرافات الجاهلية ، وهي خرافة «الظهار» ، حيث إنّ المشركين كانوا إذا غضبوا على نسائهم ، وأرادوا أن يبدوا تنفّرهم وعدم ارتياحهم ، قالوا للزوجة : «أنت عليّ كظهر امّي. فيعتبرها بمثابة امّه ، وكان يعدّ هذا الكلام بمنزلة الطلاق.
يقول القرآن الكريم في تتمة هذه الآية : (وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ الِى تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ). فلم يمض الإسلام هذا القانون الجاهلي ، ولم يصادق عليه ، بل جعل عقوبة لمن يتعاطاه ، وهي : أنّ من نطق بهذا الكلام فلا يحق له أن يقرب زوجته حتى يدفع الكفارة ، وإذا لم يدفعها ولم يأت زوجته فإنّ لها الحق في أن تستعين بحاكم الشرع ليجبره على أحد أمرين : إمّا أن يطلّقها وفقاً لأحكام الإسلام ويفارقها ، أو أن يكفّر ويستمر في حياته الزوجية كالسابق.
ثم تطرقت الآية إلى ثالث خرافة جاهلية ، فقالت : (وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ).
وتوضيح ذلك : أنّه كان من المتعارف في زمن الجاهلية أنّهم كانوا ينتخبون بعض الأطفال كأولاد لهم ، ويسمّونهم أولادهم ، وبعد هذه التسمية يعطونه كل الحقوق التي يستحقها الولد من الأب ، فيرث الولد من تبنّاه ، كما يرث المتبنّي الولد.
وقد نفى الإسلام هذه العادات غير المنطقية والخرافية أشد النفي. ولذلك يقول القرآن الكريم بعد هذه الجملة : (ذلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ).
إنّكم تقولون : إنّ فلاناً ولدي ، وأنتم تعلمون علم اليقين أنّ الأمر ليس كذلك ، فإنّ الأمواج الصوتية فقط هي التي تخرج من أفواهكم ولا تنبع مطلقاً من إعتقاد قلبي ، وهذا كلام باطل ليس إلّا (وَاللهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِى السَّبِيلَ).
إنّ «قول الحق» يطلق على القول الذي ينطبق على الواقع الموضوعي تماماً ، أو أن يكون من الامور الاعتبارية التي تنسجم مع مصالح كل أطراف القضية ، ونعلم أنّ مسألة «الظهار» في الجاهلية ، أو «التبنّي» الذي كان يسحق حقوق الأبناء الآخرين إلى حد كبير ـ لم يكونا من الموضوعات العينية ، ولا من الاعتباريات الحافظة لمصلحة عامة الناس.
ثم يضيف القرآن مؤكّداً وموضّحاً الخط الصحيح والمنطقي للإسلام : (ادْعُوهُمْ لِأَبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللهِ).
وتقول الآية لرفع الأعذار والحجج : (فَإِن لَّمْ تَعْلَمُواءَابَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِى الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ). أي إنّ عدم معرفة آبائهم لا يكون دليلاً على أن تضعوا اسم شخص آخر كأب