لهذا الإبن ، بل يمكنكم أن تخاطبوهم كإخوانكم في الدين أو أصدقائكم ومواليكم.
«الموالي» : جمع «مولى» ، وقد ذكر المفسرون له معاني عديدة ، فالبعض فسّره هنا بمعنى الصديق والصاحب ، والبعض الآخر بمعنى الغلام المعتق والمحرّر.
ولكن ربّما يدعو الشخص إنساناً لغير أبيه لاعتياده ذلك سابقاً ، أو لسبق لسانه ، أو لاشتباهه في تشخيص نسب الأفراد ، وهذا خارج عن حدود اختيار الإنسان ، فإنّ الله العادل الحكيم لا يعاقب مثل هذا الإنسان ، ولذا أردفت الآية : (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَّحِيمًا).
إنّه تعالى يغفر لكم ما سبق ، ويعفو عن السهو والنسيان والإشتباه.
ثم تتطرق الآية التالية إلى مسألة مهمة اخرى ، أي إبطال نظام «المؤاخاة» بينهم.
وتوضيح ذلك : أنّ المسلمين لمّا هاجروا من مكة إلى المدينة وقطع الإسلام كل روابطهم وعلاقاتهم بأقاربهم وأقوامهم المشركين الذين كانوا في مكة تماماً ، فقد أجرى النبي صلىاللهعليهوآله بأمر الله عقد المؤاخاة بينهم وعقد عهد المؤاخاة بين «المهاجرين» و «الأنصار» ، وكان يرث أحدهم الآخر كالأخوين الحقيقيين ، إلّاأنّ هذا الحكم كان مؤقّتاً وخاصّاً بحالة استثنائية جدّاً ، فنزلت الآية أعلاه وألغت نظام المؤاخاة الذي كان يحلّ محلّ النسب ، وجعل حكم الإرث وأمثاله مختّصاً باولي الأرحام الحقيقيين.
غاية ما في الأمر أنّ الآية قبل أن تذكر هذا الحكم ذكرت حكمين آخرين ـ أي كون النبي صلىاللهعليهوآله أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، وكون نساء النبي صلىاللهعليهوآله كامهاتهم ـ كمقدمة ، فقالت : (النَّبِىُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ) (١). (وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ) (٢).
ومع أنّ النبي صلىاللهعليهوآله بمنزلة الأب ، وأزواجه بمنزلة امهات المؤمنين إلّاأنّهم لا يرثون منهم
__________________
(١) إنّ النبي صلىاللهعليهوآله أولى من كل إنسان مسلم في المسائل الاجتماعية والفردية ، وكذلك في المسائل المتعلقة بالحكومة والقضاء والدعوة ، وإنّ إرادته ورأيه مقدم على إرادة أي مسلم ورأيه ، وهذا لأنّ النبي صلىاللهعليهوآله معصوم ووكيل لله سبحانه ، ولا يفكّر ويقرّر إلّافي صالح المجتمع والفرد.
(٢) وهي طبعاً امومة معنوية وروحية ، كما أنّ النبي صلىاللهعليهوآله أب روحي ومعنوي للُامة.
إنّ تأثير هذا الإرتباط المعنوي كان منحصراً في مسألة حفظ احترام أزواج النبي صلىاللهعليهوآله وحرمة الزواج منهن ، كما جاء الحكم الصريح بتحريم الزواج منهن بعد وفاة النبي صلىاللهعليهوآله ، أي إنّ المسلمين كان من حقهم أن يتزوجوا بنات النبي ، في حين أنّ أيّ أحد لا يستطيع الزواج من ابنة امه ، وكذلك مسألة كونهن أجنبيات ، وعدم جواز النظر إليهن إلّاللمحارم.